كان ناصر الرضيع قد تعلم للتوّ أن ينطق «بابا» حين اعتقلوا والده. ومنذ ذلك الحين لم يعد ينطقها. لم ير غازي ابنه وهو يحبو، ولم يواكب خطواته الأولى، ولم يتحسّس نموّ أسنانه. ناصر، الذي يحمل اسم ابن الملك، احتفل بميلاده الأول، فيما يقبع أبوه في السجن منذ أكثر من 6 أشهر. الغريب أن غازي ليس معارضاً أو ناشطاً سياسياً. لم يشارك في الاحتجاجات أو يذهب إلى دوار اللؤلؤة، كل ما فعله كان كتابة جملة تدعو إلى الحرية في صفحته على «فايسبوك».
هو رجل أعمال معروف في البحرين وله علاقات مع شيوخ آل خليفة. كان يدعوهم لرعاية الأنشطة الخيرية التي كان يقيمها. يفكر بعقلية رجل الأعمال، ليس متديناً ولا يحب السياسية ولا يدعو إلى إسقاط النظام. فما الذي أودع غازي السجن إذاً؟ بالنسبة إلى النظام، لديه ما يكفي حتى يُزجّ في السجن. فهو شيعيٌ أولاً، وصهر سعيد الشهابي، أحد أبرز قادة المعارضة في الخارج، الذي رفض دعوة شخصية للملك للعودة إلى البلاد من دون تحقيق مطالب الشعب التاريخية في الإصلاح. حتى إن من اعتقلوه، تقول زوجته آلاء، أخبروه «نريد أن نحرق قلب عمّك عليك». هذه كانت تهم غازي.
تتحدث آلاء عن كيفية اختطاف زوجها واقتياده إلى السجن من قبل 8 رجال ملثمين بثياب مدنية داخل موقف للسيارات. وتقول إنها تلقّت الخبر على «تويتر»، حيث ينشط المخبرون. تشير إلى أن زوجها في ذاك اليوم تناول الغداء ولعب مع ناصر، ثم عاد إلى عمله.
وفي المركز الذي اعتقل فيه، كان غازي يعرف الأمنيين، وكان عمّه شرطياً في المركز نفسه. تقول آلاء إنه يعرف أيضاً، شخصياً، الجلاد الذي عذّبه. فهو لم يُعتقل فقط، بل نال نصيبه من التعذيب، شأنه شأن بقية المحتجين المعتقلين. فقد تعرض لتعذيب متواصل وضرب وحرمان من النوم. وُجّهت إليه تهم بالتجمهر وبثّ شائعات كاذبة. ويشير محضر الاتهام الى تلك الجملة التي كتبها على فايسبوك «الناس تطالب بالحرية»، قبل أن يُحكم عليه بالسجن 3 سنوات، وهو أقصى حكم ممكن لمثل هذه التهم. أشهر مضت على الحكم وترفض المحكمة العسكرية حتى قبول الاستئناف.
رغم ذلك، كان غازي دوماً متفائلاً، وفي كل زيارة يقول لزوجته «إن شاء الله نكون معاً في شهر رمضان». أتى شهر رمضان فقال لها «إن شاء الله في الفطر»، وهو الآن يأمل في عيد الأضحى. في المقابل، لم تُبد الأجهزة الأمنية أي رحمة تجاهه، ورفضوا طلبه لحضور جنازة ابنة خالته (25 عاماً).
وبما أن آلاء تحمل الجنسية البريطانية، سألها السفير البريطاني إن كانت تريد إخراج زوجها، فسيسعى لاستصدار عفو ملكي من أجله. وتتحدث آلاء عن مساعيها لفكّ «ضيقة» زوجها وما لقيته من رئيس لجنة تقصّي الحقائق شريف بسيوني، لتعطي بذلك عيّنة عن طريقة عمل لجنة تقصّي الحقائق وتوجّهات رئيسها. تقول إنها حضرت أول مؤتمر صحافي عقده بسيوني في المنامة، قبل مباشرة اللجنة عملها، وطلبت لقاءه. وعند ذهابها إلى اللقاء في الفندق الذي ينزل فيه، استقبلها محام يعمل في الديوان الملكي. وبعدها اجتمعت ببسيوني، وأول شيء قاله لها كان «أخبرت الملك أني سأراك، وأخبرني أنه التقى بوالدك في 2008 وطلب منه العودة، وحكموا عليه بالسجن المؤبّد». فاستغربت آلاء ما قاله، وكيف سمح لنفسه بأن يُطلع الملك على اللقاء. وعندها تساءلت عن حيادية عمل هذه اللجنة التي تتابع مع الملك أدقّ التفاصيل، وتقف على رأيه، وأجابته «لا أريد أن أناقش قضية والدي أو المعارضة، بل جئت من أجل زوجي». عندها سألها بسيوني عن قصة زوجها، وطلب من شخص أن يدوّن ما تقول، فاستغربت «أهي إفادة بأقوالي وأنتم لم تبدأوا العمل بعد»، فأجابها «أريد أن أرفع تقريراً بما يجري للملك».
تشير آلاء إلى أنها لمست دفاعاً من قبل بسيوني عن الملك، وقال لها إن «الملك لا يدري ماذا يجري في البلاد، ويريد أن يعرف كل التفاصيل والانتهاكات». وتتساءل «أيُعقل، كل هذا القمع والاعتقالات والملك لا يدري؟!». وتابع بسيوني «الملك لبق ولطيف»، فأجابته «عندما التقاه والدي قال عنه الكلام نفسه. نحن لا نتكلم عن خصال الأشخاص، بل عن الخيارات السياسية».
وتقول الشهابي إن مستوى خطاب بسيوني وصل إلى درجة أنه نفى كل ادّعاءات التعذيب، وقال إنه حاول التوسط بين الملك والشارع لحل الأزمة، متسائلةً «فهل عملك تقصّي الحقائق أو الوساطة؟». وتضيف بغضب «فليذهب إلى أبي ويتفاوض وياه، لماذا يتفاوض على زوجي». وتشير إلى أن بسيوني يحاول تقديم نفسه «كمنقذ» هنا.
ولاحظت أن تعذيب زوجها ازداد بعد لقائها بسيوني. عندها رفعت إليه رسالة تخبره أن وساطته كانت سبباً مباشراً في تعذيب غازي، ونقله من زنزانه جماعية إلى زنزانه أخرى برفقة سجين مدان بالقتل. لكنه رفض هذا الافتراض. وتبادلت الرسائل معه، وفي إحداها وعد بزيارة زوجها، لكنه لم يفعل. وتقول آلاء إن «بسيوني منبهر بالملك، ويحاول تصوير أن هناك أطرافاً أقوى من الملك في السلطة، يريد أن يبرّئ السلطة والقول إن الخلاف الحقيقي بين أفراد الأسرة الحاكمة، وليس بين السلطة والمعارضة».
المعارضة البحرينيّة تُصعّد: من «طوق الكرامة» إلى «يوم العودة»
بدأت المعارضة البحرينية، أمس، تنفيذ برنامجها الاحتجاجي التصعيدي الذي توعّدت به، ونجحت في عرقلة حركة المرور باتجاه العاصمة، مع أن الأمر لم يصل الى إنجاز هدف «طوق الكرامة» وهو محاصرة العاصمة عبر الزحف من القرى، ويتوقع أن يستمر التصعيد خلال اليومين المقبلين حتى يصل الى الذروة يوم السبت المقبل، موعد إجراء الانتخابات التكميلية. لكن الحكومة وسلطاتها الأمنية نفت حدوث أي عرقلة صباحاً للمرور، وقالت إن الأمور طبيعية، مع أنها نشرت دوريات مرورية مكثفة عند مفارق العاصمة، وقامت بتحويل السير.
وبحسب شهود، فإن محتجين نجحوا في عرقلة السير على الطرق الرئيسية المؤدية الى العاصمة. ولاحظت الناشطة السياسية المعارضة منيرة فخرو أنّ «التظاهرات الصباحية باتجاه العاصمة كانت سيّارة». لكن النائب السابق عن جمعية «الوفاق» المعارضة، مطر مطر، قال إن «هناك تجاوباً كبيراً مع الفعالية السلمية التي أطلق عليها تسمية طوق الكرامة». وأضاف «ليس نحن من دعا إليها، بل شبان من المعارضة على شبكة الإنترنت». وأشار الى أن هذه التحركات تأتي «احتجاجاً على استمرار الأسلوب الحكومي في التعامل مع كل الدعوات للإصلاح السياسي، وخصوصاً تنظيم الانتخابات الجزئية».
بدوره، أكّد الناشط الحقوقي نبيل رجب لـ«الأخبار» أنّ الاحتجاجات ستتصاعد يومي الجمعة والسبت في إطار ما أعلنه الحراك الشبابي المعارض «يوم العودة»، في إشارة الى العودة إلى دوار اللؤلؤة، مقرّ انتفاضة «14 شباط» الذي هدمته القوات الأمنية وأقامت مكانه إشارات ضوئية أطلقت عليها اسم تقاطع الفاروق.
وكانت أكبر جمعية معارضة «الوفاق» قد دعت الى مقاطعة الانتخابات التكميلية التي تجرى السبت في 24 أيلول، وإلى تصفير صناديق الاقتراع. وتُجرى الانتخابات لملء مقاعد 18 نائباً من «الوفاق» من أصل 40 في مجلس النواب، كانوا قد استقالوا احتجاجاً على الحملة الأمنية التي شنّتها السلطة ضدّ الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في 14 شباط.
في المقابل، عرض تلفزيون البحرين صوراً مباشرة لحركة السير في شوارع المملكة منذ ساعات الصباح الباكر. وبحسب وكالة أنباء البحرين، فإن الصور أظهرت «انسيابية الحركة وانخفاضها عن معدلاتها الاعتيادية اليومية، فيما شهدت المجمعات التجارية المنتشرة في المملكة حركة طبيعية، حيث يعم الأمن والأمان جميع أنحاء البلاد بفضل الجهود الكبيرة التي تبذلها الأجهزة الأمنية». ونقلت عن مدير إدارة الثقافة المرورية بالإدارة العامة للمرور، المقدم موسى الدوسري، قوله إن حركة المرور في شوارع المملكة بدأت طبيعية، باستثناء بعض الازدحامات الاعتيادية التي شهدها جسرا محافظة المحرق. وأشار إلى أن دوريات الإدارة العامة للمرور انتشرت منذ الخامسة صباحاً في كل الشوارع لتسهيل الحركة المرورية. وحوّلت الإدارة العامة للمرور الحركة المرورية من شارع خليفة بن سلمان الى شارع عيسى بن سلمان باتجاه المنامة، وبررت ذلك «لتخفيف الضغط المروري»، قبل أن تعود وتعلن «فتح شارع خليفة بن سلمان باتجاه المنامة مجدداً».
من جهة ثانية، أصدر الملك حمد بن عيسى، الذي توجه أمس الى نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، قانوناً يقضي بإنشاء صندوق وطني لتعويض المتضررين من الأحداث الأخيرة في البحرين. وحدد القانون أن الأشخاص المتضررين الذين يجوز لهم اللجوء الى الصندوق للحصول على تعويض هم «أي شخص أصيب بأضرار مادية أو معنوية أو جسدية بسبب قوات الأمن العام أو الموظفين العموميين أو أي فرد من أفراد قوات الأمن العام».
(الأخبار)
روابط ذات صلة