• Police in Bahrain: a terrorist gang!
  •   شاهد بالفيديو : أصوات الشبكة تعري النظام البحريني
  •  والد الذبيح نعمة يكشف تفاصيل تصفية أبنه بالرصاص

0 القراءة الدستورية لمرسوم السلامة الوطنية في البحرين

الثلاثاء، 24 يناير 2012 التسميات:
قراءة دستورية لمرسوم السلامة الوطنية "الطوارى" للمحامي أ.عبد الله الشملاوي.


الحلقة الأولى : إعلان السلامة الوطنية 

تقوم فكرة التقنين على مبدأ نظم الأمور الاجتماعية، ملحوظاً فيها النهوض بالجماعة والسير بها نحو مدارج الكمال؛ وخصوصاً إذا كان ذلك النظم أو التنظيم متبعاً قواعد استقرت في ضمير الجماعة ولامسها بعض التقديس الديني أو الحساسية السياسية؛ فإذا أتيح للمشرع أن يتصاعد في الترقي من دون مساس بضروري من المشروعية أو الحريات العامة أو الحقوق الإنسانية المكتسبة؛ فقد أدى واجبه، ولا معذورية له في غير ذلك إن هو لم ينطلق بالجماعة إلى الأمام، من دون أن يمس المحاذير المذكورة. ويكون محل ملامة إذا مثَّل التشريع رِدة، بأن انحدر بالجماعة عن قمة قانونية أو حقوقية كانت تتسنمها.

وبمطالعة المرسوم الملكي رقم (18) للعام2011 بشأن إعلان السلامة الوطنية؛ فإن لنا عليه ملاحظات ملخصها أنها رِدة قانونية، وتفصيلات ذلك نوردها كما يأتي:

أولاً - مخالفة المرسوم الملكي رقم 18 للعام 2011 لقواعد الاختصاص الدستوري:

يعتبر الاختصاص من أهم العناصر التي يرتكز عليها القانون العام، ويقصد به القدرة على القيام بإجراء أو اتخاذ تصرف ما. وعلى ذلك يقصد بعدم الاختصاص عدم القدرة، من الناحية القانونية، على اتخاذ تصرف معين؛ نتيجة انتهاك ومخالفة القواعد المُحَدِّدة لاختصاص السلطة صاحبة التصرف. وترتبط تلك الفكرة في المجال الدستوري بمبدأ الفصل بين السلطات، وتُعتبر وليدة له؛ إذ يهدف هذا المبدأ إلى توزيع وظائف الدولة على سلطات ثلاث تختص كل منها بوظيفة محددة على نحو يكفل تحديد المسئوليات، وعدم التداخل فيما بين هذه السلطات.

وتجد الاختصاصات الدستورية مصدرها في صُلب الدستور، بحيث لا يجوز الخروج على هذا الأصل إلا بنص صريح في الدستور نفسه. كما أن السلطة التنفيذية تتولى أعمال التنفيذ، فلا يجوز لها أن تتدخل في أعمال التشريع إلا إذا منحها الدستور هذا الحق. على أن يكون تدخلها في حدود موضوع التفويض وضمن نطاقها الزمني وإلا كانت مُغْتصِبةً لسطلة التشريع فيما خرج عن التفويض به موضوعاً أو زماناً. وعلى ذلك يرتكز عيب عدم الاختصاص في المجال الدستوري على مخالفة السلطة المختصة بالتشريع - سواء كانت البرلمان أم رئيس الدولة في الحالة التي يقرر له فيها الدستور اختصاصات تشريعية، لقواعد الاختصاص التي يرسمها الدستور، ويترتب على ذلك أنه يتعين أن تتولى التشريع السلطة المختصة به سواء تمثلت في مجلسي الشورى والنواب أم في الملك. ولا يجوز لأية سلطة أن تُصدر تشريعاً جعل الدستور إصداره من اختصاص سلطة أخرى وإلا كان مغتصباً، وليس للسلطة المختصة بإصدار التشريع أن تتنازل عن هذا الاختصاص أو تفوض فيه سلطة أخرى إلا إذا أعطاها الدستور نفسه هذا الحق، مع مراعاة حدود وضوابط ذلك الحق من حيث الموضوع والنطاق الزمني.
فإذا صدر تشريع خلافاً لهذه القواعد؛ فإنه يكون غير دستوريٍّ وتكون السلطة التي أصدرته قد اغتصبت سلطة التشريع من الجهة التي حددها الدستور لممارسة هذا الاختصاص، ويعتبر التشريع الصادر، نتيجة لذلك، مشوباً بعيب عدم الاختصاص، ويجب على المحكمة الدستورية أن تقضي بعدم دستوريته.

وبمطالعة صدور المرسوم الملكي رقم (18) للعام 2011 محل البحث؛ نجد أنه يتساند للمادة (36) من الدستور التي تنص على أن السلامة الوطنية لا ُتعلن إلا بمرسوم، أي أن إعلانها سلطة منوطة بملك البلاد. وبتحليل ذاك النص الدستوري، وما ورد بشأنه في المذكرة التفسيرية للدستور التي لها قوة الدستور نفسه، كما قررت ذلك المحكمة الدستورية في العديد من أحكامها، نستنتج أن حالة السلامة الوطنية منوط إعلانها بملك البلاد، بصريح نص المادة (36) سالفة الذكر. لكن سلطته في إعلان حالة السلامة الوطنية لا تمتد إلى إصدار مرسوم يتضمن نصوصاً إجرائية أو موضوعية تحدد كيفية إدارة البلاد؛ إذ الفرض أن تبقى المنظومة القانونية السارية على حالها. غاية ما في الأمر أن يتولى الحاكم العسكري إنفاذ القوانين العادية تلك.

ولقد بسطت المذكرة التفسيرية للدستور القول في بيان ماهية السلامة الوطنية بأنها أقل من إعلان الأحكام العرفية؛ أي أن تكون الإجراءات اللازمة لإعادة السيطرة على الوضع القائم عند إعلان حالة السلامة الوطنية، أقل حدة ومساساً بحقوق الأفراد وحرياتهم العامة من تلك التي يتم اللجوء إليها في حالة إعلان الأحكام العرفية.

وعليه؛ فلابد من فهم ما تقدم في ضوء المادة (123) من الدستور التي تنص على أنه: «لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلا أثناء إعلان الأحكام العرفية، وذلك في الحدود التي يبينها القانون، ولا يجوز بحال تعطيل انعقاد مجلس الشورى أو مجلس النواب أو المساس بحصانة أعضائه في تلك الأثناء أو أثناء إعلان السلامة الوطنية».

 وذلك إنما يفهم منه، وعلى نحو اللزوم والاقتضاء، أنه لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور أثناء إعلان حالة السلامة الوطنية؛ إذ إنه وإن أجاز الدستور تعطيل بعض أحكامه في حال إعلان الأحكام العرفية فقط؛ إلا أن ذلك مقيد كذلك بصدور قانون بالمفهوم المحدد بالمادة (70) من الدستور التي تنص على أنه: «لا يصدر قانون إلا أذا أقره كل من مجلسي الشورى والنواب أو المجلس الوطني بحسب الأحوال وصدق عليه الملك». وهو الأمر الذي يحدد الحدود التي يجوز فيها تعطيل الدستور، ولا يجوز أن يمتد تطبيق هذا القانون، بحال، إلى إعلان حالة السلامة الوطنية؛ لأن هذه سلطة استثنائية. ومعلوم أن الاستثناء لا يتوسع في تفسيره ولا يقاس عليه.

ولذلك فلابد أن تكون الإجراءات التي تطبق متوافقة مع الدستور والقوانين النافذة، بلا تعديل عليها، وتنحصر فقط في تحويل الإجراءات الأمنية إلى يد الحاكم العسكري القائد العام لقوة الدفاع فقط بدلاً من وزير الداخلية. وقد نصت المذكرة التفسيرية للدستور، ذات الصفة الملزمة كما تقدم، على أن حالة السلامة الوطنية لا تسمح بمخالفة القوانين السارية، والتي لا صلة لها بالجهة التي تنفذ الإجراءات الأمنية إطلاقاً، يظاهر ذلك نص المذكرة الدستورية التفسيرية الذي ورد فيه «ويكون إعلان السلامة الوطنية للسيطرة على الأوضاع في البلاد عندما تتعرض لطارئ يهدد السلامة العامة في جميع أنحاء المملكة أو في منطقة منها، بما يتفق مع كونها تهدف إلى الحفاظ على حقوق المواطنين وسرعة السيطرة على الوضع القائم).

يُضاف إلى ذلك ما ورد في موضع آخر من المذكرة التفسيرية الدستورية - الملزمة - من أن الحالة الوحيدة التي يجوز فيها الخروج على القوانين المعمول بها هي حالة الأحكام العرفية ما ورد نصه بأنه: ومقتضى هذا النص أن إعلان حالة السلامة الوطنية أو الأحكام العرفية قد يكون في جميع أنحاء الدولة أو في جزء منها، وأن للملك، عند إعلان هذه الأحكام - أي الأحكام العرفية - أن يُصدر بمرسوم ملكي أية تعليمات قد تقضي الضرورة بها لأغراض الدفاع عن المملكة حتى لو خالفت هذه التعليمات القوانين المعمول بها. فلا يجوز تسرية إمكان صدور التعليمات من حالة الأحكام العرفية لحالة السلامة الوطنية؛ لأن المشرع الدستوري فرق بين الحالتين، ولا شك أن إعمال النص الدستوري أولى من إهماله.

وبمطالعة المرسوم الملكي رقم 18 للعام 2011، الذي تضمن إعلان ملك البلاد حالة السلامة الوطنية؛ فإنه صحيح وموافق لصحيح الدستور وذلك فقط في حدود الإعلان، لكن يعتري النصوص التي تزيد على ذلك عيب عدم الدستورية متمثلة في عدم الاختصاص. ولا ُيرد على ذلك بالقول بتخلف سند هذا النعي؛ تسانداً للمذكرة التفسيرية للمادة (36) من الدستور التي تقرر أن للملك أن يُصدر بمرسوم أية تعليمات قد تقضي الضرورة بها لأغراض الدفاع عن المملكة حتى ولو خالفت هذه التعليمات القوانين المعمول بها؛ ذلك أنه مما لا شك فيه أن السياق وقرائن الحال تفرض فهماً وحيداً لا مُعدي عنه وهو أن إصدار التعليمات مسألة خاصة بإعلان الأحكام العرفية فقط، كما هو صريح نص المذكرة التفسيرية للدستور، وبالتالي فليس لملك البلاد أن يصدر تعليمات عند إعلان حالة السلامة الوطنية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن كلمة التعليمات الواردة في المذكرة التفسيرية للدستور لا تعني أصلاً التشريعات الإجرائية ولا الموضوعية، وإنما تعني التعليمات حـركة قطاعات الجيش والقـوات المسلحة الأخرى، وحـركة السير وساعات حظر التجـوال ونطاقها الجغرافي ونقاط التفتيش الأمنية، وما شاكل. والقول بغير ذلك فيه تحميل للمذكرة التفسيرية الدستورية ما لا تحتمل، وتعديل للنص الدستوري تحت ستار تفسيره، أو بالأحرى تفسير تفسيره، وهو أمر لا تملكه إلا السلطة التأسيسية التي وضعت النص الدستوري، وليس أية جهة أخرى، كما يقضي بذلك مبدأ الفصل بين السلطات، وكل ذلك إنما يتبع حالة الأحكام العرفية وحدها وليس حالة السلامة الوطنية، كما هو صريح نص المذكرة الدستورية التفسيرية الملزمة؛ وبالتالي فلا يمكن اعتبار تضمن إعلان حالة السلامة الوطنية تشريعاً إجرائيّاً أو موضوعيّاً أنها من قبيل التعليمات، فشتان بين الاثنين، فما تضمنه المرسوم الملكي رقم 18 للعام 2011، من مواد هي تشريع وليس من قبيل التعليمات التي خول الدستور ملك البلاد سلطة إصدارها في خصوص حالة الأحكام العرفية، دون غيرها، لأغراض الدفاع عن المملكة


الحلقة الثانية : ثانياً: مخالفة المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 لمبدأ المشروعية


إن مبدأ المشروعية هو من أهم ضمانات دولة القانون. ويقصد به أن تكون السيادة، في الدولة، لحكم القانون وحده، وذلك بخضوع السلطات العامة والأفراد له، وهو ما يكفل حماية جدية للحقوق والحريات. ومن المستقر عليه؛ فقهاً وقضاءً وقانوناً أن مدلول القانون ينصرف إلى جميع القواعد القانونية السارية في الدولة - أيّاً يكن مصدرها وشكلها - إذ تشكل تلك القواعد جميعها عناصر المشروعية في الدولة.
ولما كانت مصادر القاعدة القـانونية متعددة؛ إذ لا يقتصر إنشاء القواعد القانونية على سلطة أو هيئة عامة واحدة في الدولة؛ فإنه يكون محتملاً وقوع التعارض أو التناقض بيـن هذه القواعد، وبالتالي يصبح من الضروري البحث عن قاعدة ما لتحقق، في آن واحد، الترابط والانسجام بين جميع القواعد القانونية التي يتكون منها التنظيم القانوني للدولة، وحلُّ إشكالاتِ واحتمالاتِ وقوع التعارض فيما بين هذه القواعد. وقد توصل الفـقه القانوني، وبعده القضاء المقارن، إلى مبدأ تدرج القواعد القـانونية؛ باعتباره كفيلاً بكل ذلك. ومبدأ التدرج القانوني هو أحد عنـاصر دولة القانون وضماناتها. ويقصد بتدرج القواعد القانونية التي تكون عناصر المشروعية، ترتيبها في مراتب متعددة متتالية تصاعديّاً، بحيث يسمو بعضها على بعض في تدرج وتسلسل هرمي، يشمل جميع هذه القواعد التي تمثل التنظيم القـانوني للدولة، فتخضع القاعدة الأدنى مرتبة للقاعدة الأعلى منها مرتبة، فلا تستطيع مخالفتها وإلا عُدَّت غير مشروعة؛ ولذلك فإن على كل سلطة عامة، تنشئ القواعد القانونية أو تنفذها، الخضوع لأحكام القواعد القانونية التي تعلوها مرتبة، حتى يكون عملها مطابقاً لمبدأ المشروعية؛ لنصير بذلك أمام وضع قانونية الدولة الذي هو أرقى من مجرد وضع دولة القانون، أي عدم اكتفاء الدولة بسن منظومة قانونية، بل بالخضوع لتلك المنظومة القانونية التي سنتها والتحركُ وِفق إيقاعٍها؛ صُدوعاً منها لحكم الدستور وتمسكاً منها بروحه، وصُدوفاً عما يناقض تلك الروح، فإذا خرجت الدولة على تلك المنظومة القانونية وخالفت نتائج تدرج القواعد القانونية التصاعدي الهرمي؛ فإن أعمالها تلك تفقد قيمتها القانونية وتجيء باطلة ولا تترتب آثارها المبتغاة منها.

ولما كان إعلان حالة السلامة الوطنية صادراً بموجب مرسوم ملكي، ولما كانت المراسيم، كما هو مقرر، فقهاً وقضاءً وقانوناً، تأتي في مرتبة أدنى من القانون، ومن باب أولى أنها أدنى من الدستور الذي يعتبر أسمى القواعد القانونية وقمة هرمها وذروة سنامها؛ وبالتالي فإنه يتعين أن يتقيد المرسوم بما ورد في القانون فضلاً عن الدستور ولا يخالفهما؛ وإذ جاء المرسوم بإعلان حالة السلامة الوطنية مخالفاً لكل من الدستور والقانون على حد سواء؛ مما يبطل ذلك المرسوم في ما زاد على فقرة الإعلان وهو ما سنبينه بالتفصيل على النحو الآتي:

مخالفة المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 للدستور:

أسند المشرع الاختصاص بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح إلى المحكمة الدستورية التي أنشأها المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2002، وينعقد اختصاص تلك المحكمة إما عن طريق الرقابة السابقة التي تتولاها تلك المحكمة إذا أحيل مشروع القانون قبل إصداره من الملك إليها، وإما عن طريق الرقابة اللاحقة التي تتم بدعوى أصلية مبتدأة ترفع إليها بقصد إثبات أن لائحة أو قانوناً يخالف نصّاً دستوريّاً، أو بإحالة من إحدى المحاكم نتيجة لما تراءى لها من عدم دستورية النص أو لدفع جدي أثير أمامها من أحد الخصوم بخصوص دعوى قائمة. فالمشرع وإن لم يسمح للأفراد برفع دعوى أصلية مبتدأة بعدم دستورية قانون أو لائحة، إلا أنه أعطاهم الحق في الدفع الفرعي أمام محكمة الموضوع بعدم الدستورية. فنصت على ذلك المادة (18/ج) من المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2002 بإنشاء المحكمة الدستورية على أنه: «إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، ورأت هذه المحكمة أن الدفع جدي، أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاداً لا يجاوز شهراً واحداً لرفع دعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد المحدد اعتبر الدفع كأن لم يكن». ولما كان المستقر فقهاً وقضاء وقانوناً أن المصلحة في الدفع بعدم الدستورية تتوافر حيث يؤثر الفصل في دستورية النص المطعون في الدعوى الأصلية، ومتى كان يمتنع إجابة المدعي إلى طلباته إلا من خلال فحص دستورية النص موضوع الدفع من عدمه.

ولما كان الطعن بعدم الدستورية على المرسوم الملكي رقم (18) لسنة 2011 بإعلان حالة السلامة الوطنية بعدم الدستورية يحقق طلبات كل متهم يدفع بعدم دستورية ذلك المرسوم بحيث يُلغى السند القانوني الذي تستند إليه المحكمة في محاكمة المتهم، كما تبطل جميع الاجراءات التي اتخذت في حقه سواء كانت أثناء جمع الاستدلالات أو أثناء التحقيق وسواءً لدى جهات الأمن أو لدى النيابة العسكرية؛ ولذلك فإن مصلحة أي متهم تغدو متحققة في خصوصية الدفع بعدم دستورية المرسوم الملكي رقم (18) لسنة 2011 باعلان حالة السلامة الوطنية، بعدم الدستورية والذي جاء مخالفاً للدستور، فيما عدا أمر الإعلان وحده الذي تنحسر عنه رقابة القضاء بوصفه من أعمال السيادة. ونورد بيان ذلك في عدة مواضع نفصلها على النحو الآتي:

أ - مخالفة المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 للقواعد الموضوعية للدستور:

قد يأتي التشريع مستوفياً للشكل الواجب اتباعه طبقاً للدستور، وصادراً عن السلطة المختصة المحددة في الوثيقة الدستورية، إلا أن هذا لا يكفي لاعتباره دستوريّاً؛ إذ يجب لكي يكون كذلك، ألا يكون مخالفاً في موضوعه قاعدة دستورية حددها المشرع، أو متجاوزاً، كما ذهب بعض فقهاء القانون الدستوري، بحق، في غايته روح الوثيقة الدستورية. وقد نصت المادة رقم (123) من الدستور على أنه: «لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلا أثناء إعلان الأحكام العرفية، وذلك في الحدود التي يبينها القانون. ولا يجوز بأي حال تعطيل انعقاد مجلس الشورى أو مجلس النواب أو المساس بحصانة أعضائه في تلك الأثناء، أو اثناء إعلان حالة السلامة الوطنية». وتأكيداً لهذا المعنى جاء في المذكرة الدستورية التفسيرية لهذه المادة أنه : «عدلت هذه المادة نتيجة لما ورد من تعديل على البند (ب) من المادة (36)، والذي أضاف حالة السلامة الوطنية إلى حالة الأحكام العرفية. وتحقيقاً لما تهدف إليه هذه الإضافة؛ نصت المادة (123) على أنه لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام الدستور إلا أثناء الأحكام العرفية. ومعنى ذلك أنه عند إعلان حالة السلامة الوطنية لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام الدستور بأي حال من الأحوال...».

وبإعمال ما تقدم على المرسوم الملكي رقم (18) لسنة 2011 محل البحث؛ نجد أن أحكامه قد تضمنت مخالفات واضحة لا بل صارخة للنصوص الدستورية والقانونية؛ وذلك في عدة جوانب نذكرها بالتفصيل على النحو الآتي:

ب- مخالفة المادة (5) من المرسوم الملكي رقم (18) لسنة 2011 لأحكام الدستور:

لقد نصت المادة الخامسة من الدستور على مجموعة من التدابير والإجراءات التي للسلطة المكلفة تنفيذ أحكام المرسوم اتخاذها، وبالرجوع إلى تلك التدابير والاجراءات نجدها قد جاءت مماثلة للتدابير والاجراءات الواردة في قانون الأحكام العرفية التي وردت كصلاحيات تعطل بعض أحكام الدستور، ولا منازعة في ذلك؛ لأنها لو لم تكن تتضمن تعطيلاً لبعض أحكام الدستور لأصبح النص عليها في المرسوم بقانون لغواً وعبثاً يتنزه عنه المشرع؛ ولذلك فاختصاصات الحاكم العرفي الواردة في قانون الأحكام العرفية يمكن أن تعطل الدستور، وهو الأمر الجائز عند إعلان الاحكام العرفية فقط؛ ولا يجوز من ثم النص عليها في إعلان حالة السلامة الوطنية الذي لا يجوز بحال أن تعطل في ظله أحكام الدستور؛ ولذلك فإن النص عليها في المرسوم الملكي رقم (18) لسنة 2011 بشأن إعلان حالة السلامة الوطنية فيه مخالفة صارخة لنصوص وأحكام الدستور وتعطيلاً له، ونفصل ذلك على النحو الآتي:

1 - خالفت المادة الخامسة من المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 ،
في بنودها (5 و11) الدستور في المادتين (19/ب) و (25) إذ تنص المادة (19/ب) من الدستور على أنه: «لا يجوز القبض على إنسان أو توقيفه أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون وبرقابة من القضاء»، أما المادة (25) فقد نصت على أنه: «للمساكن حرمة، فلا يجوز دخولها أو تفتيشها بغير إذن أهلها إلا استثناء في حالات الضرورة القصوى التي يعينها القانون، وبالكيفية المنصوص عليها فيه». ومفاد نص المادتين سالفتي الذكر، أن القبض على إنسان وتوقيفه أو حبسه أو تقييد حريته لا يكون إلا وفقاً لأحكام القانون وليس بأداة قانونية أقل منه مرتبة، وإلا كان الإجراء منافياً للشرعية الإجرائية والأصول الدستورية والمواثيق الدولية ذات العلاقة.

2 - حدت المادة الخامسة من المرسوم من حرية الرأي والتعبير المكفولة بنص المادة (23) من الدستور، كما تضمنت بنودها مساساً بحرية الصحافة والطباعة والنشر المكفولة بنص المادة (24) من الدستور، وحرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية والالكترونية المكفولة بنص المادة (26) من الدستور، وحرية الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات المكفولة بنص المادة (28/ب) من الدستور، وهي حقوق وحريات لا يجوز الانتقاص منها أو المساس بها تحت أية دريعة.

3 - جاء البند (12) من المادة الخامسة من المرسوم الملكي رقم (18) لسنة 2011 مخالفاً لنص المادة (17) من الدستور والتي تنص على أنه: «أ- الجنسية البحرينية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاطها عمن يتمتع بها إلا في حالة الخيانة العظمى، والأحوال الأخرى التي يحددها القانون». ولما كان المرسوم هو أداة أدنى من القانون فلا يجوز أن يتضمن نصّاً باسقاط الجنسية عمن يتمتع بها، ومن باب أولى فلا يجوز أن تُسند سلطة سحب الجنسية إلى قرار إداري أدنى.

الحلقة الثالثة : مخالفته لأحكام الدستور

من الانتهاكات الخطيرة التي تضمنها هذا المرسوم، هو إنشاؤه لجرائم جديدة وفرضه لعقوبات على من يرتكبها، فالمادة (6) منه تنص على أنه: «مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف أوامر السلطة المكلفة بتنفيذ أحكام هذا المرسوم». 

وهو ما يخالف القاعدة الدستورية الأساسية في التجريم والتي تمثل ضمانة أساسية لحقوق الإنسان ونصت عليها المادة (20) من الدستور البحريني، وهي أنـه: «أ ـ لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون». وحالة أن الجرائم التي أنشأها هذا المرسوم لا تستند لقانون يخول السلطة التنفيذية إنشاءها وفرض عقوبات عليها، فهي مجافية للدستور وميثاق العمل الوطني والميثاق العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي يسمو على كل القواعد المحلية.

رابعاً: مخالفة المواد (7، 8، 9) من المرسوم الملكي 18 لسنة 2011 لأحكام الدستور:
تنص المادة رقم (105/أ) من الدستور على أنه: «يرتب القانون المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، ويبين وظائفها واختصاصاتها»، ومفاد هذا النص أن ترتيب المحاكم وإنشاءها وتحديد درجاتها واختصاصها لا يكون إلا بقانون، بالمفهوم الذي حددته المادة (70) من الدستور، التي تنص على أنه: «لا يصدر قانون إلا أذا أقره كل من مجلسي الشورى والنواب أو المجلس الوطني بحسب الأحوال وصدق عليه الملك». فلا يجوز أن يكون المرسوم أداة لإصدار ما استوجب الدستور إصداره بقانون، فإذا نصت المواد من (7 إلى 9) من المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، بإعلان حالة السلامة الوطنية على تشكيل محكمة السلامة الوطنية؛ فإنه يكون قد جاء بخلاف ما نص عليه الدستور في مادتيه، (70 و105). فيكون تشكيل تلك المحكمة، وفقاً لذلك المرسوم قد وقع بالمخالفة لأحكام الدستور؛ مما يتخلف معه الأساس القانوني لتشكيلها وتخضع نصوص التشكيل تلك لرقابة المحكمة الدستورية؛ كيلا تكون أعمال الحكومة، في إطار حالة الطوارئ بمنأىً عن رقابة القضاء. ولا يُرُد على ما تقدم بالقول إن المحكمة المشكلة بموجب المرسوم الملكي هي محكمة خاصة تغاير المحاكم التي نظمها قانون الإجراءات أو غيرها من القوانين الأخرى إنشاء وترتيبا ونوعا؛ ذلك أن نص الدستور في مادته (105)، قد ورد في عبارة مطلقة بلا تقييد، عامة بلا تخصيص، لتشمل المحاكم كافة، فلا يجوز تشكيل أو إنشاء أي محكمة إلا بقانون، بغض النظر عن نوع تلك المحكمة سواء كانت عادية أو خاصة. لا بل إن المحاكم الخاصة أكثر حاجة لأن تُنشأ بقانون بالمفهوم الفني للكلمة وفق ما قررته المادة (70) من الدستور؛ وذلك لضمان عدم مساسها بحقوق الافراد وحرياتهم، بفرض سلامة إنشاء المحاكم الاستثنائية (الخاصة) والفرض غير الحقيقة.

وهو الأمر الذي درج إجماع الفقه والقضاء المقارن على اعتباره مخالفا للدساتير ولمبدأ الحق في محاكمة منصفة والتقاضي أمام القاضي الطبيعي، كما قررته المادة (14) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي التزمت به البحرين بلا تحفظ. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، قد أسند مُهمة تعيين قُضاة محكمة السلامة الوطنية، سواء بدرجتها الابتدائية أو الاستئنافية إلى صدور قرار من الحاكم العسكري، بوصفه، السلطة المكلفة بتنفيذ إجراءات السلامة الوطنية بتعينهم. وهذا ما يخالف صريح نص المادة (33/ح) من الدستور التي تنص على أن: «يرأس الملك المجلس الأعلى للقضاء، ويعيّن القضاة بأوامر ملكية بناءً على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء). كما يُخالف هذا المرسوم نص المادة (45) من المرسوم بقانون رقم (19) لسنة ‏2000‏ بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم (13) لسنة 1971 بشأن تنظيم القضاء، والتي تنص على أن: «يقوم المجلس الأعلى للقضاء بالإشراف على حسن سير العمل فـي المحاكم وفي الأجهزة المعاونة لها، واقتراح ما يلزم من أجل ذلك، ويختص بكل ما يتعلق بشئون القضاة بما في ذلك ترقيتهم ونقلهم وندبهم، كما يختص بالنظر في الترشيحات المقدمة من وزير العدل والشئون الإسلامية فيما يتعلق بالتعيين في الوظائف القضائية على النحو المنصوص عليه في هذا القانون، كما يؤخذ رأيه في مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء». ومن ثم يغدو إسناد تشكيل محاكم للحاكم العسكري مخالفاً مخالفةً صارخةً للدستور والقانون، ويُفضي لبطلان تشكيل تلك المحاكم ومن ثم انعدام ما تصدره من أحكام والتي لا تجاوز كونها عملاً مادياً غير ذي قيمة، ويتعين من ثم الإفراج عمن أدانتهم تلك المحكمة (السلامية الوطنية)، وإعادة محاكمتهم من جديد (إن كان لذلك مقتضى) لدى قاضيهم الطبيعي بعد التحقيق معهم من جانب النيابة العامة، مع مراعاة توفير الضمانات القانونية لهم في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة كما يقضي بذلك ميثاق العمل الوطني، في الفقرة (5 من البند ثانياً من الفصل الأول منه) وكذلك الفقرة (ج) من المادة (20) من الدستور.
خامساً: مخالفة المادة (15) من المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 لأحكام الدستور:
إن من إحدى الانتهاكات الدستورية الواضحة التي تضمنها المرسوم بإعلان حالة السلامة الوطنية هو ما نصت عليه المادة (15) منه والتي قضت بأنه: «لا يسري أي تشريع أو نص يتعارض مع أي حكم من أحكام هذا المرسوم والأوامر الصادرة بمقتضاه خلال مدة سريان حالة السلامة الوطنية»؛ إذ ان هذا النص يُخالف، بوضوح، ما أكدته المذكرة التفسيرية لدستور مملكة البحرين للعام 2002 والذي بينا فيما سبق أنها مُلزمة كالدستور نفسه فيما تضمنته من توضيحات وشروح بحسب العديد من أحكام المحكمة الدستورية، من أن مخالفة الإجراءات التي تتخذ بموجب النظم الاستثنائية المقررة في الدستور للقوانين السارية لا يكون جائزا إلا في حالة الأحكام العرفية فقط. ولا يمتد ذلك لحالة السلامة الوطنية التي تخضع للأصل وهو وجوب أن تتوافق مع القوانين الأرفع منها بما في ذلك التشريعات الصادرة عن السلطة التشريعية، ولا ُتعلن الأحكام العرفية إلا في الحالات التي تهدد أمن وسلامة المملكة ولا يكفي للسيطرة عليها استخدام ما ورد في القوانين العادية من إجراءات أو تلك، التي يفرضها إعلان حالة السلامة الوطنية، وإنما يتطلب بشأنها اتخاذ الإجراءات والتدابير الاستثنائية اللازمة للقضاء على الفتنة والعدوان المسلح... ومقتضى هذا النص أن إعلان حالة السلامة الوطنية أو الأحكام العرفية قد يكون في جميع أنحاء الدولة أو في جزء منها، وأن للملك، عند إعلان هذه الأحكام، أن يُصدر بمرسوم ملكي أية تعليمات قد تقضي الضرورة بها لأغراض الدفاع عن المملكة حتى لو خالفت هذه التعليمات القوانين المعمول بها.

وبناء على ما تقدم من بيان للمواضع التي خالف فيها المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، بإعلان حالة السلامة الوطنية أحكام الدستور، وأمام جدية المنازعة في دستورية ذلك المرسوم ولاسيما في دستورية المواد من 5 إلى 15 منه، كان يتعين على محكمة السلامة الوطنية تمكين المتهمين الذين دفعوا أمامها بعدم دستورية مرسوم السلامة الوطنية، من إقامة دعوى أمام المحكمة الدستورية للبت فيما أثاروه من دفوع بعدم الدستورية، ووقف الدعاوى التي كانت جارية أمامها ريثما يتم الفصل في الدعوى الدستورية؛ باعتبار أن تلك المحكمة هي صاحبة الولاية الوحيدة بالفصل في دستورية القوانين واللوائح على نحو ما جرت به المادة (106) من الدستور والتي تنص على: «إنشاء محكمة دستورية، من رئيس وستة أعضاء يعينون بأمر ملكي لمدة يحددها القانون وتختص بمراقبة دستورية القوانين واللوائح». وفي هذا الصدد يورد البروفيسور رمزي طه الشاعر في كتابه «القضاء الدستوري في مملكة البحرين» في الصفحة 346: «وقد جاء نص المادة (106) من الدستور، والمادة (16) من قانون المحكمة الدستورية مطلقاً وصريحاً في تولي المحكمة الدستورية، دون غيرها، الرقابة القضائية على دستورية اللوائح دون أي تحديد لها ودون تخصيصها باللوائح التي لها قوة القانون؛ الأمر الذي يستتبع القول بشمول اختصاص المحكمة الدستورية برقابة الدستورية لكل أنواع اللوائح سواء منها ما يستلزمه السير العادي للإدارة أو تلك التي لا تعتبر من مستلزمات الوظيفة الإدارية وتدخل ضمن اصطلاح اللوائح الاستثنائية التي تصدر في حالات الضرورة». وعليه فإن نصوص المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 محل دفع كل المتهمين الذين مثلوا أمام القضاء العسكري والذي سمي بمحكمة السلامة الوطنية بعدم الدستورية، تخضع لرقابة المحكمة الدستورية، بوصفها، نصوص لائحة يقتصر الاختصاص للمحكمة الدستورية، للنظر بعدم دستوريتها، ما كان يتعين معه، والحال كذلك على محكمة السلامة الوطنية تمكين المتهمين الذين مثلوا أمامها من إقامة دعوى عدم الدستورية بشأن النصوص المذكورة ووقف الدعاوى التي كانت جارية أمامها بحق المتهمين لحين الفصل في الدعوى الدستورية.

الحلقة الرابعة : مخالفته لأحكام القانون


استنادا لمبدأ تدرج القوانين فإنه لا يجوز للمرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، بإعلان حالة السلامة الوطنية أن يخالف القانون؛ لكون المراسيم تأتي في مرتبة أدنى من القانون؛ وبالتالي فإن مخالفة المرسوم للقانون فيه مخالفة لمبدأ الشرعية وتدرج القوانين؛ ما يبطل ذلك المرسوم فيما يخالف فيه القانون. ولا يرُد على ذلك بالقول ان المذكرة التفسيرية التي لها صفة الإلزامية كما تؤكد ذلك الكثير من أحكامها قد أعطت للمرسوم صلاحية مخالفة القانون إذ نصت على أن للملك أن يصدر بمرسوم ملكي أية تعليمات قد تقضي الضرورة بها لأغراض الدفاع عن المملكة حتى ولو خالفت هذه التعليمات القوانين المعمول بها؛ ذلك أنه بالرجوع للمذكرة التفسيرية نجد أن التعليمات التي يكون للملك اصدارها، خاصة بحالة اعلان الأحكام العرفية وليس بحالة اعلان السلامة الوطنية وهذا ما يستفاد من عبارة المذكرة التفسيرية التي جاء نصها كالتالي: «ومقتضى هذا النص أن إعلان حالة السلامة الوطنية أو الأحكام العرفية قد يكون في جميع أنحاء الدولة أو في جزء منها، وأن للملك عند إعلان هذه الأحكام أن يُصدِر بمرسوم ملكي أية تعليمات قد تقضي الضرورة بها لأغراض الدفاع عن المملكة حتى ولو خالفت هذه التعليمات القوانين المعمول بها). فعبارة النص واضحة الدلالة على أنه عند إعلان هذه الأحكام - أي الاحكام العرفية فقط - يكون للملك إصدار تعليمات في ضوء ما تنص عليه المادة (123) من الدستور، ومما يؤكد أنه في إعلان حالة السلامة الوطنية لا يجوز اصدار تعليمات تخالف القوانين، ما نصت عليه المذكرة التفسيرية من ضرورة التزام المشرع بأحكام القانون وبالقواعد والاجراءات العادية فنص على أنه: «ويكون إعلان حالة السلامة الوطنية للسيطرة على الأوضاع في البلاد عندما تتعرض لطارئ يهدد السلامة العامة في جميع أنحاء المملكة أو في منطقة منها، بما يتفق مع كونها تهدف إلى الحفاظ على حقوق المواطنين وسرعة السيطرة على الوضع القائم. لا تُعلن الأحكام العرفية إلا في الحالات التي تهدد أمن وسلامة المملكة، ولا يكفي للسيطرة عليها استخدام ما ورد في القوانين العادية من إجراءات، أو تلك التي يفرضها إعلان حالة السلامة الوطنية، وإنما يتطلب بشأنها اتخاذ الإجراءات والتدابير الاستثنائية اللازمة للقضاء على الفتنة والعدوان المسلح وفرض الأمن للحفاظ على سلامة المملكة وقوة دفاع البحرين».

ويستفاد من النص السالف أنه في حالة عدم كفاية الاجراءات الواردة في القوانين العادية للسيطرة على الظروف التي تتعرض لها المملكة، فإنه يلجأ إلى إعلان الاحكام العرفية وليس إلى إعلان حالة السلامة الوطنية؛ ولذلك فإن الاعلان عن حالة السلامة الوطنية فيه إقرار بعدم لزومية الاجراءات والقوانين الاستثنائية، ويتعين من ثم تطبيق الاجراءات الواردة في القوانين العادية. ولا يردُ على ذلك بما جاء في بعض أحكام محكمة السلامة الوطنية بأن جميع مشتملات المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 بإعلان حالة السلامة الوطنية من أعمال السيادة التي تتأبى على رقابة القضاء وأنه لابد أن يؤخذ كوحدة واحدة لا تقبل التجزئة، بمعنى أن جزئية الإعلان لا تنفك، بحسب ما قيل عن القواعد والتعليمات الإجرائية والموضوعية التي وردت فيه؛ ذلك أنه لما كانت الأعمال السياسية، التي جرت النظم القانونية والقضائية المختلفة على استبعادها من ولاية القضاء بوجه عام، قد وجدت لها صدى في القضاء الدستوري في الدول التي أخذت بنظام الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح؛ إذ جرى هذا النوع من القضاء في هذه الدول على استبعاد «الأعمال السياسية» من اختصاصه ومن مجال الرقابة القضائية؛ إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات؛ وذلك لدخول هذه الأعمال في نطاق السلطة التقديرية للسلطة التي تُصدرها في حدود اختصاصها الذي أفرده لها الدستور، وطبقاً لضوابط الفصل بين السلطات المقررة فيه، فليس للمحكمة الدستورية أن تقحم نفسها في رقابة الأعمال السياسية التي عهد الدستور بها إلى إحدى السلطتين، أو تتدخل في التعقيب على سلطتهما التقديرية فيما تتخذانه من قرارات وأعمال في هذا الصدد، متى التزمتا حدود اختصاصهما، ولم تتعديا على قيود الدستور وضوابطه؛ ذلك أنه من المقرر فقهاً وقضاء وقانوناً أن أعمال السيادة هي نظرية لم تجد في واقع الحال تطبيقا إيجابيا إلا في القليل من الحالات. فهي محصورة في أضيق نطاق، ولابد أن تكون كذلك؛ لكونها خلاف الأصل العام؛ وخاصة إذا كان مقياس المشروعية التي تفلُت بسببه هذه الاعمال من الرقابة القضائية هو الدستور ذاته مصدر السلطات والحقوق والحريات كافة، فالضرورة التي استدعت إعمال هذه النظرية مقدرة في الواقع بقدرها؛ ولذلك فلا يعتبر من قبيل أعمال السيادة الأعمال التي يمكن ردها إلى نص دستوري معين منظم لمجالها ومحدد لأوضاعها وشروطها، بحيث يمكن على أساسه قياس مدى مشروعيتها. فتلك الاعمال لا تعتبر من أعمال السيادة حتى ولو كانت متعلقة «بمصالح البلاد العليا» و «بالمصالح القومية الحيوية» بل حتى لو كان العمل محل النظر القضائي صادرا بالتطبيق لعمل من أعمال السيادة، أو كان قد تم إقراره في استفتاء شعبي؛ لأنه متى وجد النص المنظم، وجب الرجوع إليه في شأن كل ما يتعلق بمشروعية الأعمال الداخلة في نطاق تطبيقه أيا كانت طبيعتها وأهميتها ودرجة استثنائيتها أو سريتها. وهذا ما أكدته وجرت عليه أحكام القضاء المصري بوصفه مرجعية القضاء العربي، وبخاصة القضاء الإداري، في مجال رقابة المشروعية حيث قطعت تلك الأحكام الطريق على محاولات الإدارة الافلات من الرقابة تحت ستار الاعتبارات السياسية أو عن طريق إضفاء طابع أعمال السيادة على قرارات لا تعدو في حقيقتها أن تكون مجرد تطبيقات لقوانين ولوائح منظمة لمجالاتها، فقد قضت المحكمة الإدارية العليا المصرية في هذا الخصوص بأن: 

«الأعمال من المألوف ما يصدر تنفيذا لقانون أو لائحة أو تطبيقا لهما، أو التي يحكمها عادة قانون أو لائحة لا تعتبر من أعمال السيادة وإنما تندرج تحت طائفة أعمال الحكومة العادية وليس لها من الشأن وخطير الأهمية ما يرفعها إلى مرتبة الأعمال المتعلقة بالسياسة العليا للدولة. ومادام هناك نص في القوانين واللوائح يتضمن ما يجب اتخاذه من إجراءات أو يلزم توافره من الشروط لإتمام عمل ما، فإن القرار الإداري الصادر بالتطبيق لهذا النص يغدو من القرارات المتعلقة بتنفيذ القوانين واللوائح ولا يرقى بذاته إلى دائرة أعمال السيادة». (طعن 14189 لسنة 35 ق في 1990.3.4) (الطعن مشار إليه في كتاب ولاية المحكمة الدستورية العليا في المسائل الدستورية لمحمد فؤاد عبدالباسط - هامش ص 397). وقضت المحكمة الإدارية المصرية العليا كذلك بأن «القرار الصادر باعتقال أحد الأشخاص من قائد الثورة بوصفه حاكما عسكريا عاما واستنادا إلى قانون الأحكام العرفية، يعتبر قراراً إدارياً ولا يُعدُ من أعمال السيادة». (الدعوى رقم 23 لسنة 9 ق جلسة 1957.4.16 س11 ص354) وقضت تلك المحكمة كذلك بأن «أوامر الإبعاد بصفة عامة من التدابير الخاصة بالأمن الداخلي للدولة وليس عملا من أعمال السيادة التي تخرج عن اختصاصها وإنما هي أوامر إدارية عادية مما تختص المحكمة بنظر طلبات إلغائها وطلبات التعويض المترتبة عليها». (الدعوى رقم 282 لسنة 4 ق س1 ص817). وقضت المحكمة الإدارية المصرية بأن: «قرار إعلان حالة الطوارئ من أعمال السيادة التي تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة بحسبانه من الإجراءات العليا التي تتخذ سبيل الدفاع عن كيان الدولة واستتاب الأمن أو النظام العام بها، إلا أن التدابير التي يتخذها القائم على إجراء النظام العرفي تنفيذا لهذا النظام سواء أكانت تدابير فردية أو تنظيمية يتعين أن تتخذ في حدود القانون وتلتزم حدوده وضوابطه وإلا تنأى عن رقابة القضاء ولا تجاوز دائرة القرارات الإدارية التي تخضع للاختصاص القضائي لمجلسة الدولة». (الطعن رقم 830 لسنة 20ق – جلسة 1979.12.29 – 150 س ص38) وقضت تلك المحكمة كذلك بأن «نظام الأحكام العرفية في مصر أو نظام الطوارئ ليس نظاما مطلقا بل يخضع للقانون، أرسى الدستور أساس هذا النظام ويبين القانون أصوله وأحكامه ورسم حدوده وضوابطه ويجب أن يكون إجراؤه على مقتضى هذه الضوابط – وإن قرار إعلان حالة الطوارئ يُعتبر من أعمال السيادة التي تصدُرُ من الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة لتعلقه بالإجراءات العليا التي تتخذ في سبيل الدفاع عن كيان الدولة واستتباب الأمن أو النظام العام بها. والتدابير التي يتخذها القائم على إجراء النظام العرفي سواء كانت تدابير فردية أو تنظيمية يجب اتخاذها في حدود القانون ولا تنأى هذه التدابير عن رقابة القضاء». (الطعن رقم 1438 لسنة 31 ق- جلسة 1988.3.6 س33 ص31 – الطعون مشار إليها في كتاب ضوابط مشروعية القرارات الإدارية وفقا للمنهج القضائي للمستشار محمد ماهر أبوالعينين – ص 50 وما بعدها)

                الحلقة الخامسة : يتبع >>

كما أكدت المحكمة الدستورية العليا المصرية ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا المصري إذ قضت بأنه: «لما كان القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 المطعون فيه قد صدر في شأن يتعلق بالأراضي الزراعية التي تم الاستيلاء عليها طبقا لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 متضمنا عدم أحقية ملاكها في التعويض عن هذه الأراضي، فتعرض بذلك للملكية الخاصة، وهي من الحقوق التي عُني الدستور بالنص على صونها، وتحديد الحالات التي يجوز فيها نزعها جبرا عن مالكها، ووضع القيود والضوابط لحمايتها، والتي ينبغي على سلطة التشريع أن تلتزمها وإلا جاء عملها مخالفا للدستور، ومن ثم لا يكون ذلك القرار بقانون قد تناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة الدستورية على نحو ما ذهبت إليه الحكومة، ويكون الدفع المبدى منها في هذا الصدد بعد اختصاص المحكمة بنظر الدعوى غير قائم على أساس متعينا رفضه». (قضية 3 لسنة 1ق- دستورية- 1983.6.25 – المجموعة – ج2- قـاعدة 22 – ص162 -163). كما قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية كذلـك بأن: «اعتبار القانون المطعون فيه مـن تشريعات الطوارئ لا يجعله بمنأى عن الرقابة الدستورية لأنه نظم أموراً وضع لها الدستور ضوابطَ يجب التحقيق من التزامها. ومن ثم كان ما أثير من أن إصدار القانون رقـم 119 لسنة 1964 يعتبر من أعمال السيادة الـتي تنحسر عنها رقـابة القضاء ليس له أي سند من القانون». كما قضت: «ولئن صح أن قرار رئيس الجمهورية الصادر بإعلان حالة الطوارئ مما يدخل في نطاق الأعمال السياسية التي تنحسر عنها الرقابة القضائية باعتباره من الأعمال التي تتخذها الدولة في حدود وظيفتها السياسية للمحافظة على سلامتها وأمنها، فإن هذا الوصف لا يصدق على التصرفات والتدابير والأوامر والقرارات التي تتخذها الجهات القائمة على تنفيذ الأوامر الصادرة بفرض الحراسة على أموال وممتلكات بعض الأشخاص والتي حصنتها المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 99 لسنة 1963 ضد الطعن، وهي أعمال لا تمتد إلى القرارات الصادر من رئيس الجمهورية بفرض الحراسة التي قد يثار البحث في تحديد طبيعتها، وإنما هي قرارات تصدرها هذه الجهات باعتبارها سلطة عامة فتكون لها صفة القرارات الإدارية وتصرفات أخرى تدخل في مجال القانون الخاص ومن بينها أعمال الإدارة والتصرفات التي تمارسها هذه الجهات في شأن الأموال الخاضعة للحراسة، وهذه التصرفات والقرارات تندرج في دائرة أعمال الحكومة العادية وليست من قبيل التصرفات والأعمال التي تتخذها الدولة في نطاق وظيفتها السياسية للمحافظة على سلامتها وأمنها ولا تعتبر من أعمال السيادة.
يؤيد هذا النظر أن نظام الطوارئ الذي كانت الحراسة تفرض استنادا إليه نظام تناوله الدستور في المادتين 148 و48 منه، وقد أرست المادة الأولى أساس هذا النظام فنصت على أن «يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ على الوجه المبين في القانون». 

وأشارت المادة 48 من الدستور إلى حالة الطوارئ عند وضعها ضوابط فرض الرقابة على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام في حالة إعلان حالة الطوارئ ولم يبين الدستور السلطات التي تخول لسلطة الطوارئ وفوض الشارع العادي في تحديد هذه السلطات. وقد تكفلت قوانين الطوارئ بتنظيم حالة الطوارئ منذ صدور القانون رقم 15 لسنة 1923 بنظام الأحكام العرفية ونصت على التدابير المنوط بسلطة الطوارئ اتخاذها؛ ما يدل على أن نظام الطوارئ وإن كان نظاما استثنائيا إلا أنه ليس نظاما مطلقا بل هو نظام دستوري وضع الدستور أساسه وبين القانون حدوده وضوابطه، لذلك فإن التدابير التي تتخذ استنادا إلى هذا النظام يتعين أن تكون متفقة مع أحكام الدستور والقانون، فإن جاوزت هذه الحدود والضوابط فإنها تكون غير مشروعة وتنبسط عليها رقابة القضاء. (قضية 5 لسنة 5ق ع – دستورية 1976.7.3 – المجموعة – ج1 – قاعدة 36 – ص422 – 433). (الطعون السابقة مشار إليها في كتاب ولاية المحكمة الدستورية العليا في المسائل الدستورية لمحمد فؤاد عبدالباسط - هامش ص 399 وما بعدها قائم على أساس صحيح، متعين الرفض).

كما أكدت المحكمة الدستورية في البحرين ما استقرت عليه أحكام القضاء المصري، وذلك في حكم لها إذ قضت بأنه: «وحيث إن نظرية الأعمال السياسية – كقيد على ولاية القضاء الدستوري – تجد في ميدان العلاقات والاتفاقيات الدولية معظم تطبيقاتها بأكثر مما يقع في المجال الداخلي، نظراً لارتباط ذلك الميدان بالاعتبارات السياسية وسيادة الدولة ومصالحها العليا، وإذ كان ما تقدم، وكانت الدعويان الماثلتان تنصبان على نص المادة (157) من قانون العقوبات، وهو قانون يتصل بتنظيم الجرائم وعقوباتها، ويرسم حدودها ويبين ضوابطها، وينظم حالات الإعفاء منها وشروطه، مما مؤداه أن هذا القانون ينظم بأحكامه أموراً وضع الدستور أسسها، ورسم حدودها وقيودها ووضع ضوابطها في المادتين (19) و(20) منه، وخول المحكمة الدستورية رقابتها، ومن ثم لا يكون النص المطعون بعدم دستوريته قد تناول بالتنظيم مسائل سياسية تدخل في عداد الأعمال السياسية، حتى يقال بعدم اختصاص المحكمة الدستورية بنظرها على ما ذهبت إليه الحكومة في دفعها، ويضحى بالتالي الدفع المبدى منها بعدم اختصاص المحكمة الدستورية ولائياً بنظر الدعويين غير قائم على أساس صحيح، متعين الرفض).

وفي حكم آخر قضت محكمتنا الدستورية بـ «وحيث إن دائرة الشئون القانونية قد دفعت الدعويين أصلياً بخروج النص المطعون بعدم دستوريته عن نطاق الرقابة الدستورية المقررة للمحكمة الدستورية، وأسست دفعها على أن نص المادة (157) من قانون العقوبات جاء بالقسم الخاص بالجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي، ومن ثم صدر مستهدفاً سلامة الدولة ونظامها السياسي، وتحقيق مصلحتها السياسية في حماية الجبهة السياسية والسلام الاجتماعي، ما يدخل في نطاق المسئولية السياسية ويعتبر من قبيل الأعمال السياسية التي تخرج عن نطاق الرقابة الدستورية المقررة لهذه المحكمة.

وحيث إن المحكمة الدستورية – على ما جرى عليه قضاؤها، وبما لها من هيمنة على الدعوى الدستورية وعلى ما يثار فيها من دفوع – هي التي تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح، وذلك على ضوء طلبات الخصوم فيها، وبعد استظهار حقيقة أبعادها ومراميها، دون التقيد بألفاظها ومبانيها. لما كان ذلك، وكانت دائرة الشئون القانونية قد طلبت في ختام مذكرتها المودعة بتاريخ 2/1/2005 «الحكم بصفة أصلية بخروج النص المطعون فيه عن نطاق الرقابة الدستورية»، وهو ما رددته في صدر مذكرتها، وتناولته في متنها، وكانت ترمي من كل ذلك لخروج الدعويين من ولاية القضاء البحريني أياً كان نوعه، ومن ثم عدم اختصاص المحكمة الدستورية بنظرهما، فإن الوصف والتكييف القانوني الصحيح لهذا الدفع، أنه دفع بعدم اختصاص المحكمة الدستورية ولائياً بنظر الدعويين الماثلتين. وحيث إن هذا الدفع مردود، بأن الأصل – على ما تقضي به المادة (106) من الدستور والمادة (16) من قانون إنشاء المحكمة الدستورية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2002 – أن المحكمة الدستورية تختص دون غيرها بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، وغايتها التحقق من التزام السلطتين التشريعية والتنفيذية بأحكام الدستور ومبادئه، فيما يصدر عنهما من قواعد عامة تنظم حقوق الأفراد وحرياتهم ضماناً لتحقيق الشرعية الدستورية. عن طريق صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وترسيخ مفهوم الديمقراطية التي أرساها. وتتبوأ هذه الشرعية في البنيان القانوني للدولة القمة في مدارجه، ولها مقام الصدارة بين قواعده، وهي فرع من فروع خضوع الدولة للقانون والتزامها بضوابطه فإذا قام نزاع على دستورية نص تشريعي وعرض على المحكمة الدستورية، فإنها تتولى دون غيرها الفصل في المسائل الدستورية لتقول كلمتها القاطعة فيها، إما بإقرار ما يوافق الدستور من تشريعات إهدار ما يخالفه منها، باعتباره أسمى القواعد الآمرة.

وإذا كانت الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح تجد أساسها – كأصل عام – في مبدأ الشرعية وسيادة القانون الذي أرساه الدستور، غير أنه يرد على هذا الأصل قيد يقضي باستبعاد ما اصطلح عليه الفقه والقضاء «بالأعمال السياسية» من مجال الرقابة القضائية، وذلك على اعتبار أن خروجها من ولاية القضاء يعد إحدى صور التطبيق الأمثل لأعمال المفهوم الصحيح لمبدأ الفصل بين السلطات الذي يوجب إقامة توازن دقيق بين السلطات الثلاث. ويتمثل مضمون هذا المبدأ بما نصت عليه المادة (32/أ) من الدستور على أن «يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع تعاونها وفقاً لأحكام هذا الدستور، ولا يجوز لأي من السلطات الثلاث التنازل لغيرها عن كل أو بعض اختصاصاتها المنصوص عليها في هذا الدستور، وإنما يجوز التفويض التشريعي...». ومؤدى ذلك أن تلتزم كل سلطة حدود اختصاصها، وألا تعتدي أو تتعدى على اختصاصات غيرها، أو تتخلى هي عن اختصاصها لسلطة أخرى، إلا في حدود التفويض التشريعي المحدد بفترة معينة وبموضوع أو موضوعات بالذات، ويمارس وفقاً لقانون التفويض وشروطه.

لما كان ذلك، وكانت الأعمال السياسية، التي جرت النظم القانونية والقضائية المختلفة على استبعادها من ولاية القضاء بوجه عام، قد وجدت لها صدى في القضاء الدستوري في الدول التي أخذت بنظام الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، إذ جرى هذا النوع من القضاء في هذه الدول على استبعاد «الأعمال السياسية» من اختصاصه ومن مجال الرقابة القضائية، إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات، وذلك لدخول هذه الأعمال في نطاق السلطة التقديرية للسلطة التي تصدرها في حدود اختصاصها الذي أفرده لها الدستور، وطبقاً لضوابط الفصل بين السلطات المقررة فيه، فليس للمحكمة الدستورية أن تقحم نفسها في رقابة الأعمال السياسية التي عهد الدستور بها إلى إحدى السلطتين، أو تتدخل في التعقيب على سلطتهما التقديرية فيما تتخذانه من قرارات وأعمال في هذا الصدد، متى التزمتا حدود اختصاصهما، ولم تتعديا على قيود الدستور وضوابطه.

وحيث إن الأعمال السياسية وصف لم يحدده الدستور أو القانون بحدٍ، فقد دل ذلك على رغبتهما في ترك مهمة تحديده للقضاء وحده، فهو الذي يعطيه وصفه الحق وتكييفه القانوني الصحيح، وذلك على ضوء طبيعة الأعمال وحقيقتها، دون اعتداد بالأوصاف التي قد يخلعها المشرع عليها، متى كانت طبيعتها تتنافى مع هذه الأوصاف.

وحيث إن العبرة في تكييف الأعمال السياسية يقوم على معيار موضوعي يتمثل في طبيعة الأعمال ذاتها التي تتصل اتصالاً وثيقاً بالسياسة العليا للدولة، بما لها من سلطة عليا وسيادة في الداخل والخارج، مستهدفة مصلحة الجماعة السياسية العليا، وتنظيم علاقاتها الخارجية بالدول الأخرى وتأمين سلامتها في الداخل والخارج والدفاع عن إقليمها من الاعتداء الخارجي، ويدخل ذلك كله في اختصاص السلطة التنفيذية أو التشريعية، ما يقتضي منح هاتين السلطتين سلطة تقديرية أوسع نطاقاً وأبعد مدى، تحقيقاً لصالح الوطن وسلامته، دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذانه من قرارات أو أعمال في هذا الصدد متى التزمتا حدود الدستور وأحكامه وضوابطه وقيوده. والمرد في تحديد ذلك إلى السلطة التقريرية للقضاء، فتكون المحكمة الدستورية هي التي تُحَددُ بالنظر إلى طبيعة المسائل التي تنظمها النصوص التشريعية المطروحة عليها للفصل في دستوريتها، ما إذا كانت هذه النصوص تُعتبر من الأعمال السياسية فتخرج عن ولايتها بالرقابة الدستورية، أم انها ليست كذلك فتنبسط عليها رقابتها. 


                الحلقة السادسة : يتبع >>


وحيث إن نظرية الأعمال السياسية – كقيد على ولاية القضاء الدستوري – تجد في ميدان العلاقات والاتفاقيات الدولية معظم تطبيقاتها بأكثر مما يقع في المجال الداخلي؛ نظراً لارتباط ذلك الميدان بالاعتبارات السياسية وسيادة الدولة ومصالحها العليا، وإذ كان ما تقدم، وكانت الدعويان الماثلتان تنصبان على نص المادة (157) من قانون العقوبات، وهو قانون يتصل بتنظيم الجرائم وعقوباتها، ويرسم حدودها ويبين ضوابطها، وينظم حالات الإعفاء منها وشروطه، ما مؤداه أن هذا القانون ينظم بأحكامه أموراً وضع الدستور أسسها، ورسم حدودها وقيودها ووضع ضوابطها في المادتين (19) و(20) منه، وخول المحكمة الدستورية رقابتها، ومن ثم لا يكون النص المطعون بعدم دستوريته قد تناول بالتنظيم مسائل سياسية تدخل في عداد الأعمال السياسية، حتى يقال بعدم اختصاص المحكمة الدستورية بنظرها على ما ذهبت إليه الحكومة في دفعها، ويضحى بالتالي الدفع المبدى منها بعدم اختصاص المحكمة الدستورية ولائياً بنظر الدعويين غير قائم على أساس صحيح، متعين الرفض.
وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون فيه مخالفته الفقرة (أ) من المادة (19) من الدستور التي تنص على أن «الحرية الشخصية مكفولة وفقاً للقانون» استنادا إلى أن الجريمة الواردة بالنص المطعون فيه يكتنفها الغموض واللبس ويعد العقاب عليها افتئاتا على حرية الشخص التي كفلها له الدستور، كما ينعون عليه مخالفته المادة (20) من الدستور بفقرتيها (أ) و(ج)، وتنص الأولى على أنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، ولا عقاب ألا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها»، وتنص الثانية على أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع المراحل التحقيق والمحاكة وفقاً للقانون»، وأسس المدعون ذلك على عدم تعلق النص المطعون فيه بأعمال مادية أحدثتها إرادة مرتكبها، ما ينتفي معه وجود جريمة، فضلاً عن عدم تحديده تعريف الاتفاق الجنائي، ما يخل بالضوابط الجوهرية التي تقوم عليها المحاكمة العادلة، وينعى المدعيان في الدعوى المضمومة، إضافة للمناعي السابقة، مخالفة النص المطعون فيه نص المادة (31) من الدستور التي تنص على «ألا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون، أو بناء عليه. ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية»، وذلك تأسيساً على سلب النص المطعون فيه حرية الأفراد وحقهم في ممارسة حقوقهم وحرياتهم العامة، لاستناده في التجريم على مجرد أفكار كامنة في ضمائر الأفراد.
وحيث إن المحكمة ترى أن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، ويتمثل جوهر هذه السلطة التقديرية في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة، لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذي يتناوله بالتنظيم، ما مؤداه أن مشروعية النصوص القانونية التي يتخذها المشرع كوسيلة لتحقيق الأهداف المشار إليها، مناطها توافقها مع أحكام الدستور ومبادئه، ومن ثم يتعين على المشرع دائماً إجراء موازنة دقيقة بين مصالح المجتمع والحرص على أمنه واستقراره من ناحية، وحريات وحقوق الأفراد التي كفلها لهم الدستور من ناحية أخرى.
وحيث إن الدستور قد بوأ مبادئ العدل والحرية والمساواة مكاناً عليّاً بين نصوصه وحرص على تصدرها المقومات الأساسية للمجتمع الواردة بالباب الثاني منه، فنص في المادة (4) على أن «العدل أساس الحكم، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، والحرية والمساواة والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة»، ثم أورد المواد (19) و(20) و(31) من الدستور لتفصل تلك المبادئ والمقومات الأساسية المتعلقة بكفالة الحرية الشخصية وصون الحقوق والحريات العامة، تأكيداً منه على عدم جواز أن ينال تنظيمها أو تحديدها من جوهرها، وعدم جواز التجريم والعقاب إلا بناء على قانون، والحرص على تقرير مبدأ افتراض البراءة، باعتباره يتفق مع الفطرة التي فطر الله – عز وجل – الناس عليها، ما مؤداه افتراض براءة المتهم حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة. ومما يدل على سمو مبادئ الحرية والمساواة وعلو شأنها بين نصوص الدستور، أنّ قرنها الدستور بالمبادئ التي لا يجوز اقتراح تعديلها بأي حال من الأحوال مع المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع ومع النظام الملكي ومبدأ الحكم الوراثي، ونظام المجلسين، فنص في الفقرة (ج) من المادة (120) على أنه «لا يجوز اقتراح تعديل المادة الثانية من هذا الدستور، كما لا يجوز اقتراح تعديل النظام الملكي ومبدأ الحكم الوراثي بأي حال من الأحوال، وكذلك نظام المجلسين ومبادئ الحرية والمساواة المقررة في هذا الدستور».
في الدعويين المقيدتين بجدول المحكمة الدستورية برقمي «د/3/04» و «د/4/04» لسنة (2) قضائية.

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الاثنين الموافق 26 يونيو/ حزيران سنة 2006م، 30 جمادى الأولى سنة 1427 هـ؛ لذلك يمكن القطع بأن القول بشمول وصف أعمال السيادة ما زاد على جزئية إعلان حالة السلامة الوطنية، قولاً فيه مجافاة لما استقر عليه الفقه والقضاء المقارن، ما يوجب العدول عنه وعن التحقيقات التي جرت في ظله والأحكام التي صدرت بموجبه، لما في الأخذ بذاك القول من نبذٍ لمبادئ العدل والمساواة والحريات، مكاناً قصياً.

بطلان مرسوم إعلان حالة السلامة الوطنية 

سابعاً: بطلان المرسوم الملكي رقم (18) لسنة 2011، بإعلان حالة السلامة الوطنية:

بينت المذكرة التفسيرية للدستور الفرق بين إعلان حالة السلامة الوطنية وإعلان حالة الأحكام العرفية الواردتين في المادة (36) من الدستور، فنصت على أن إعلان حالة السلامة الوطنية تكون أقل حدة ومساساً بحقوق الأفراد وحرياتهم من إعلان حالة الأحكام العرفية، وقد رتبت المذكرة الدستورية التفسيرية على هذه التفرقة نتيجة مهمة، وهي أن تكون الإجراءات اللازمة لإعادة السيطرة على الوضع القائم عند إعلان حالة السلامة الوطنية، أقل حدة ومساساً بحقوق الأفراد وحرياتهم من تلك التي يتم اللجوء إليها في حالة إعلان الأحكام العرفية، بل إنه في حالة السلامة الوطنية، كما هو ثابت، من نص المذكرة التفسيرية للدستور، تكون الإجراءات الواردة في القوانين العادية كافية لمواجهة الظروف الاستثنائية التي أدت إلى إعلان حالة السلامة الوطنية؛ ولذلك فقد نصت المادة (123) من الدستور على أنه: (لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلا أثناء إعلان الأحكام العرفية، وذلك في الحدود التي يبينها القانون، ولا يجوز بأي حال تعطيل انعقاد مجلس الشورى أو مجلس النواب أو المساس بحصانة أعضائه في تلك الأثناء، أو أثناء إعلان حالة السلامة الوطنية).

فنص المادة الدستورية السالفة صريح في أنه لا يجوز أن يُتخذ من إعلان حالة السلامة الوطنية طريقاً لتعطيل أحكام الدستور؛ لكون تلك الحالة أقل حدة ومساساً بحقوق الأفراد وحرياتهم العامة؛ ولذا لابد أن تكون الإجراءات التي ستطبق متوافقة مع القوانين النافذة بلا تعديل عليها. وتنحصر فقط في نقل وتحويل الإجراءات الأمنية إلى يد القائد العام لقوة الدفاع فقط بدلاً من وزير الداخلية.

ولما كان الثابت من المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، أن ما تم إعلانه هي حالة السلامة الوطنية وليس حالة الاحكام العرفية، ولما كان من المقرر فقهاً وقضاء وقانوناً أن إعلان حالة السلامة الوطنية أقل حدة ومساساً بحقوق الأفراد وحرياتهم، من إعلان الأحكام العرفية كما أسلفنا؛ ولذلك فلا يجوز أن تتماثل الإجراءات التي تطبق بموجب حالة السلامة الوطنية مع الإجراءات التي تُطبق في إعلان الأحكام العرفية، واستناداً إلى ذلك فلا يجوز أن يُخوِل مرسوم إعلان حالة السلامة الوطنية من يباشر تنفيذ حالة السلامة الوطنية تطبيق أي من الإجراءات التي تُعتبر من إجراءات الأحكام العرفية المنظومة بموجب المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 1981 بشأن الأحكام العرفية، كما لا يجوز أن تَعتبر هذه السلطة أن من صلاحيتها، لفرض الأمن، تطبيق هذه الإجراءات استناداً إلى ما مُنحت من سلطة مطلقةً لاتخاذ أي إجراء لفرض الأمن، فالإجراءات في إعلان حالة السلامة الوطنية يتعين أن تكون أقل حدة ومساساً بالحقوق والحريات.

 إلا أنه وبمقارنة ما تضمنه المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، من أحكام بما ورد في المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 1981 بشأن الأحكام العرفية نجدها متماثلة، بل إن ما ورد في المرسوم الملكي رقم (18) لسنة 2011، غير الدستوري لأكثر من سبب، قد جاء أشد حدة ومساساً بحقوق وحريات الافراد وتضييقاً لها، مع أن الدستور ومذكرته التفسيرية قد نصا على أن إعلان حالة السلامة الوطنية هي أقل حدة وأدنى مساساً بحقوق الأفراد وحرياتهم، إلا أن الثابت خلاف ذلك. ومن أمثلة النصوص التي تعتبر أشد مما ورد في المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 1981 بشأن الأحكام العرفية، النص الخاص بإسقاط الجنسية، إذ جاء النص في المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 عاماً، وفي قانون الأحكام العرفية خاصاً بمن تجنسوا. كما إن المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 1981 بشأن الأحكام العرفية، قد تضمن نصاً خاصاً يعطي لمجلس الوزراء حق التضييق في دائرة الحقوق والحريات، ولا نجد لذلك النص أي صدى في المرسوم الملكي بإعلان حالة السلامة الوطنية؛ الأمر الذي يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن ما ورد في المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، قد جاء متجاوزاً ومخالفاً للدستور والقانون والموثيق والعهود الدولية الملزمة للبحرين بانضمامها إليه ولكونها عضواً في الأمم المتحدة؛ مما يُبطله؛ ذلك أنه من الواضح أن التفرقة بين نظام حالة السلامة الوطنية والأحكام العرفية التي أكدت المذكرة التفسيرية للدستور، وجوب مراعاتها، قد انعدمت على أرض الواقع، وأن الاختلاف في درجة شدة الإجراءات التي تُقرر أثناء حالة السلامة الوطنية وشدة مساسها بالحريات عما يطبق أثناء الأحكام العرفية والتي أكدت المذكرة التفسيرية للدستور بأنها هي من الضوابط الأساسية لتحديد المدى الذي تصل إليه الإجراءات التي تطبق أثناء حالة السلامة الوطنية معدومة، فلم يتبقَّ هناك أي إجراء أشد يمس الحقوق والحريات، يمكن أن يُقرر أثناء فرض الأحكام العرفية، بل إن الإجراءات المقررة في قانون الأحكام العرفية كان بعضها أخف منها مما نص عليه مرسوم إعلان حالة السلامة الوطنية؛ إذ إن الأول أجاز للسلطة سحب الجنسية عمن تجنسوا بها فقط، بينما الأخير أجاز إسقاط الجنسية عن أي، مواطن بمن في ذلك من هو بحريني بالتأسيس! وهو ما يعتبر إجراءً متشنجاً ومخالفاً لنصوص الدستور المعالجة للجنسية وينتهك بوضوح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ ما يبطل المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، لاسيما إذا ما أضفنا المخالفات الكثيرة التي تضمنها هذا المرسوم لنصوص وأحكام الدستور، كما مر فيما سبق وما سنورده لاحقاً.



الحلقة السابعة : انعدام الأساس القانوني في تشكيل محكمة السلامة الوطنية

القضاء سلطة من السلطات العامة التي ينص عليها الدستور وينظم وجودها واختصاصاتها وأصول المحاكمة لديها بموجب القوانين وهي بحق أهم السلطات من حيث كونها الرقيب على باقي السلطات وأجهزتها كما هي ملجأ الأشخاص للوصول إلى حقوقهم، وبيان مراكزهم القانونية في يسر إجرائي وحَيدة تضمن تحقق مبدأ المساواة. وتنشأ المحاكم والمجالس والهيئات واللجان والأجهزة القضائية لتطبيق القواعد النافذة والمعمول بها والتي تتميز بصفة أساسية وجوهرية، بالعمومية والمساواة.

فالدولة القائمة على الشرعية الدستورية تجعل من التشريع مصدراً واحداً موحداً لتحديد وإعلان حقوق المواطنين وواجباتهم بصورة عامة، من دون أي تفرقة أو تمييز في العقيدة أو الجنس أو اللون أو الأصل، والقضاء هو السلطة المخولة بتطبيق القانون باستقلال تجاه السلطات الأخرى إلا بحدود ما يقيده الدستور بوجه صريح، بوصفه أعلى المرجعيات القانونية.

والمحاكم، من حيث المبدأ، يجب أن تكون عادية، بحيث يتقاضى الأفراد لديها ويعرفون مسبقاً وسلفاً بوجودها وقانونيتها وأصول التقاضي لديها، وهي المرجع الطبيعي بحسب الدساتير، ومنها الدستور البحريني التعاقدي للعام (1973) فضلاً عن ميثاق العمل الوطني ودستور 2002، للبت في حقوقهم. وهي تتمتع بالولاية العامة والشاملة لتطبيق القوانين. وتستقل المحاكم بكيانها، في تحقيق الدعاوى والحكم فيها، عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، من دون أن يعني هذا الاستقلال انعدام الصلة والتعاون والتأثير المتبادل بين السلطات وفق النهج الذي رسمه الدستور نفسه في المادة (32) منه إذ تقرر أن: يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع تعاونها وفقا لأحكام هذا الدستور. ولا يجوز لأي من السلطات الثلاث التنازل لغيرها عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور، وإنما يجوز التفويض التشريعي المحدد بفترة معينة وبموضوع أو موضوعات بالذات، فتمارس وفقاً لقانون التفويض وشروطه.

وليس ثمة ما يمنع من أن ينظم القانون محاكم خاصة ويوليها اختصاص النظر بمسائل معينة ومحدودة بصورة حصرية، نظرا إلى طبيعة الحق أو الأشخاص أو الجرم، أو إلى طائفة معينة من المسائل، ولاعتبارات وطنية أو تقنية، وتلك المحاكم الخاصة، قد تكون اعتيادية الانعقاد، وبعضها محاكم استثنائية، تنعقد لمناسبة معينة أو في ظرف خاص وبنظم خاصة.

لكنه يتبادر إلى الذهن لأول وهلة من وصف المحكمة بالاستثنائية، أنها تختلف عن المحاكم العادية ذات الاختصاص العام، فالمحاكم الاستثنائية هي التي يحدد لها قانون خاص الجرائم التي تنظر فيها، والأشخاص الذين تكون مختصة بمحاكمتهم. فولاية المحاكم الاستثنائية مقيدة ببعض الجرائم في حال معين أو بفئات معينة من المتهمين. وتنقسم المحاكم الاستثنائية إلى قسمين:

أولاً: المحاكم الاستثنائية العادية: وهي محاكم ذات طبيعة خاصة، لأن المشرع أوكل إليها الفصل في جرائم معينة، ومحددة بذاتها، ويحتاج القضاة الذين ينظرون فيها إلى درجة عالية وكافية من التخصص الفني في شئونها، لكي تتحقق النتائج المرجوة من تشكيل هذا النوع من المحاكم، ومن جهة الردع المتولد عن العقوبة التي تقضي بها تلك المحاكم ، ويدخل في هذه الزمرة من المحاكم، محاكم الأحداث الجانحين والمحاكم العسكرية. وتعتبر هذه المحاكم نوعا من القضاء الطبيعي أو العادي بالنسبة إلى المتهمين أو الجرائم التي تدخل في اختصاصها، فعلى رغم طابعها الاستثنائي، فإن لها صفة الدوام، فهي دائمة الانعقاد.

ثانياً: المحاكم الاستثنائية غير العادية: تشترك المحاكم الاستثنائية، غير العادية، مع المحاكم الاستثنائية العادية في أنها تختص بنظر جرائم من نوع معين أو محاكمة فئة خاصة من المتهمين، ولكنها تختلف عنها في أنها محاكم مؤقتة بظروف معينة، ولا تنشأ عادة بالأداة التشريعية التي تنشأ بها المحاكم ذات الاختصاص العام، ولا تخضع لإجراءات المحاكمة العادية المقررة في تلك المحاكم، وهو سبب إنشائها في أوقات الأزمات المفاجئة، وتشكل هذه المحاكم عادة من غير القضاة كالعسكر منفردين أو يضم إليهم المشرع بعض رجال القضاء المدني لتلطيف الصورة وتسويق المشهد.

ولاشك أن تعبير المحكمة الاستثنائية يثير في النفس رهبة؛ لاقترانه بمفهوم قاس وغير محايد في تحقيق العدالة، ولهذا اتجهت بعض الدساتير. وهي بصدد تأكيدها للحرية الفردية والكرامة الإنسانية، اتجهت إلى النص على تحريم إنشاء المحاكم الاستثنائية، لما تجلبه من انطباع مفاده الخروج على القواعد العادية في التقاضي لصالح القواعد الشاذة التي يحكمها الهوى السياسي، وليس إحقاق الحق بالمفهوم القانوني، ويظاهر هذا النظر أن المحاكم الاستثنائية، ومنها محاكم أمن الدولة، وهي أهمها إنما تشكل في المراحل الحرجة التي يتعرض لها نظام سياسي ما، لمواجهة شكل من أشكال الاضطراب الاجتماعي الاستثنائي من شأنه تهديد كيان الدولة في ذاته.

ولقد كان القرن العشرين سخيا في إنشاء المحاكم الخاصة، أو الاستثنائية، لاعتبارات متعددة، منها الحروب والثورات التي أدت إلى نوع من عدم الاستقرار السياسي.

الحلقة الثامنة : يتبع >>

للبحرين محاكمها الاستثنائية، منها المحكمة الانضباطية التي يخضع لها رجال الشرطة والأمن العام، والمحكمة العسكرية، ويخضع لها منتسبو قوة دفاع البحرين، ومحكمة الاستئناف العليا حين تنظر التظلمات التي يرفعها من اعتقل وفقا للمرسوم بشأن تدابير أمن الدولة سيئ الصيت، والذي صدر بلا رقم في صيف 1975. ومحكمة أمن الدولة التي أنشئت بالمرسوم رقم 7/1976 بالاستناد للمادة (185) من قانون العقوبات وتختص بنظر الجرائم المنصوص عليها فـي المواد (112 إلى 184) من قانون العقوبات وموضوعها، الجرائـم الماسة بأمن الدولة الداخلي والخارجي ثم محكمة السلامة الوطنية المشكلة وفقاً للمرسوم محل الدراسة، وهي موضوعنا هنا: ولنا مآخذ على محكمة السلامة الوطنية بوصفها محكمة استثنائية، ذلك أن:

الجهة القضائية التي يتقاضى أمامها الجميع يجب أن تكون واحدة، وأن تكون إجراءات التقاضي واحدة، وأن يكون القانون المطبق على الجميع واحداً في الموضوع وفي الإجراءات.

وإذا كانت الديمقراطية لا توجد من دون حرية فإنها لا توجد كذلك دون مساواة، والمواطنون يبغون المساواة في الحرية، والحرية لا توجد، ما لم تكن مقامة للجميع بوصفها الحصن المتين الذي يحمي تلك الحقوق ويسهر على رعايتها وخصوصا في المجال القضائي، فالمساواة، إذاً ركيزة الحريات وملاك الحياة الاجتماعية الحديثة.
وتنص المادة (18) من الدستور البحريني على أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة.
 وهو ذاته ما تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1948 وهو بصدد النص على مبادئ تتعلق بالقضاء، ويمكن عدها معيار التمييز بين الأنظمة القضائية وبين المحاكم نفسها داخل التنظيم القضائي، إذ يقول الإعلان العالمي في مادته السابعة، إن كل الناس سواسية أمام القانون (المادة 7): ولكل إنسان الحق على قدم المساواة أن تنظر قضيته محكمة مستقلة نزيهة (المادة 9). كما نص الملحق (ب) المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية على المساواة أمام القضاء والمحاكمة العادلة والعلنية، وبواسطة محكمة مختصة ومستقلة وحيادية قائمة استنادا إلى القانون (المادة 14 فقرة 1) ولكل محكوم الحق في إعادة النظر بالحكم والعقوبة بواسطة محكمة أعلى بموجب القانون (14 فقرة 5) وبإعمال ما تقدم على محكمة السلامة الوطنية بوصفها أحد مفاعيل مرسوم السلامة الوطنية موضوع البحث، نجد أن المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، قد انتهك بوضوح، أحكام الدستور البحريني من خلال ما نصت عليه المادة (7) من هذا المرسوم من إنشاء محكمة استثنائية لإجراء المحاكمات الخاصة بجرائم وقعت فعلاً وتكليف النيابة العسكرية بمباشرة إجراءات التحقيق بشأن هذه الجرائم، بغض النظر عما إذا كان مرتكبه عسكرياً، ويدخل في ولاية هذه النيابة، بحسب الدستور، وقانون إنشائها أو من غير العسكريين، ويخرج عن ولايتها من ليسوا كذلك. فقد نصت على أنه: «تختص المحاكم المشكلة بموجب هذا المرسوم بنظر الجرائم التي أدت إلى إعلان حالة السلامة الوطنية والجرائم المرتكبة خِلافاً للأوامر والقرارات الصادرة من السلطة المكلفة بتنفيذ إجراءات السلامة الوطنية وما يرتبط بها من جرائم، وكذلك أيةُ جرائم أخرى تقرر هذه السلطة إحالتها إليها، وتختص النيابة العسكرية باتخاذ إجراءات التحقيق ومباشرة الدعاوى أمام هذه المحاكم».
ونصت المادة (8) من المرسوم ذاته على أن: «تُشكل محكمة السلامة الوطنية الابتدائية من ثلاثة قضاة يصدر بتعيينهم قرار من السلطة المكلفة بتنفيذ إجراءات السلامة الوطنية». ونصت المادة (9) من المرسوم ذاته على أن: «تُشكل محكمة السلامة الوطنية الاستئنافية من ثلاثة قضاة يصدر بتعيينهم قرار من السلطة المكلفة بتنفيذ إجراءات السلامة الوطنية».

ويكون المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، بموجب هذه الأحكام قد خالف بشكل جلي ما تنص عليه المادة (105) من دستور مملكة البحرين لسنة 2002 من أن إنشاء المحاكم وتحديد اختصاصاتها يكون بموجب قانون وليس بمرسوم أو قرار، فهي تنص على: «(أ ـ يرتب القانون المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، ويبين وظائفها واختصاصاتها»، فهو كمرسوم لا يمثل الأداة الدستورية الصحيحة لإنشاء المحاكم «وهي التشريع الصادر عن السلطة التشريعية»، وعلى رغم ذلك فقد أُنشِئتْ محكمة استثنائية أُطلق عليها محكمة السلامة الوطنية، غير معلوم من هم أعضاؤها وتُرك للسلطة التي تنفذ حالة السلامة الوطنية، وهي بحسب المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، القائد العام لقوة دفاع البحرين (الجيش البحريني) مهمة اختيارهم وتعينهم، كذلك خالف المرسوم ما تنص عليه المادة (104) من دستور مملكة البحرين لسنة 2002، من أن القانون هو الذي يحدد اختصاصات النيابة العامة، وليس مرسوماً أو قراراً، وما تنص عليه المادة (105) من دستور مملكة البحرين لسنة 2002 في البند (ب) من أن القضاء العسكري لا يجوز أن يَمنح أي ولاية قضائية على المحاكمات التي تجرى لغير العسكريين إلا في حال الأحكام العرفية. فالمادة (104 من الدستور) تنص على: «ج ـ يضع القانون الأحكام الخاصة بالنيابة العامة». و(105 من الدستور) تنص على: «ب ـ يقتصر اختصاص المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية التي تقع من أفراد قوة الدفاع والحرس الوطني والأمن العام، ولا يمتد لغيرهم إلا عند إعلان الأحكام العرفية، وذلك في الحدود التي يقررها القانون». فالمرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 مد ولاية النيابة العسكرية، التي تعتبر جزءا من القضاء العسكري بحكم القانون، إلى ما ليس مقرراً لها في القوانين المنظمة لولايتها وهو القانون رقم 34/2002 بإصدار قانون العقوبات العسكرية، وعقد لها ولاية بشأن جرائم غير عسكرية، على رغم أنها، بحسبانها جُزءًا من المحاكم العسكرية، لا يجوز وفقاً للدستور أن تمتد ولايتها لمثل هذه الجرائم حتى في حالة الأحكام العرفية، ومن باب أولى في حالة السلامة الوطنية.

كذلك خالف المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، ما تنص عليه المادة (104) من دستور مملكة البحرين لسنة 2002 من أن الضمانة الأساسية لعدم إهدار الحقوق والحريات هي نزاهة القضاة وعدلهم، وأن القانون مسئول عن وضع الإجراءات الكفيلة باستقلال القضاة وضمان نزاهتهم، فهي تنص على «أ ـ شرف القضاء ونزاهة القضاة وعدلهم، أساس الحكم، وضمان للحقوق والحريات. ب ـ لا سلطان لأية جهة على القاضي في قضائه، ولا يجوز بحال من الأحوال التدخل في سير العدالة، ويكفل القانون استقلال القضاء، ويبين ضمانات القضاة والأحكام الخاصة بهم». فالمرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، أهدر ضمانة أساسية لاستقلال القضاة كفلها القانون وهي تعيين القضاة من قبل جهة منفصلة عن الجهة التي تتولى تنفيذ القانون، فقد نص قانون السلطة القضائية رقم 42/2002 وكذلك قانون العقوبات العسكرية رقم 34/2002 بموجب آخر تعديلاته، على أن القضاة يُعينون بأوامر ملكية، بينما جاء المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 محل الدراسة، ليُخالف ما نصت عليه هذه القوانين، وليمنح السلطة المخولة بتنفيذ حالة السلامة الوطنية، القائد العام لقوة الدفاع، سُلطة تعيين القضاة في هذه المحكمة الاستثنائية التي أنشأها، كذلك دون أن يبين ضمانات هؤلاء القضاة ضد العزل من قبل هذه الجهة؛ بما يُعدِم استقلاليتهم. وجديرٌ بالذكر أن أحد معايير المحاكمة العادلة التي يقررها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي التزمت به البحرين بوصفها عضواً في الأمم المتحدة، والذي يمثل المرجع الأساس للحد الأدنى لحقوق الإنسان التي لا يُسمح لأي دولة بالنزول عنه مهما كانت الظروف، هو أن تتم أمام محكمة مستقلة ونزيهة تطبق إجراءات عادلة كما تنص على ذلك المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما يُؤكد العهد الدولي للحقوق السياسية والاقتصادية الذي انضمت له مملكة البحرين، أن البحرين ملزمة بأن تُجري المحاكمة الجنائية أمام محكمة مختصة وحيادية ومستقلة كما يجري نص المادة 14 من العهد الدولي المذكور، ولا يعفي البحرين من الالتزام بهذه المبادئ إخطارها الأمم المتحدة في مطلع مارس/ آذار الماضي بأنها ستعلق التزامها ببعض بنود العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي وقعته والتزمت به بلا تحفظات.

              الحلقة التاسعة : بطلان تحقيقات النيابة العسكرية

لقد جاءت تحقيقات النيابة العسكرية باطلة ومخالفة لنصوص الدستور والقانون؛ ذلك أنه لما كان المستقر عليه فقهاً وقضاء وقانوناً، أن النيابة سواء كانت، العامة أو العسكرية، تُعتبر شُعبة من شُعَبْ القضاء الذي تتبعه وترتبط ارتباطاً لا يجوز ولا يمكن فصلها عنه. وتأسيساً على قولنا بانعدام الأساس القانوني في تشكيل محكمة السلامة الوطنية التي يتولى عملياً القضاء العسكري القيام بنظر الجرائم الواقعة في حالة السلامة الوطنية، وِفقاً للدستور، واستناداً لمبدأ التدرج في القانون؛ ذلك أنه لا يجوز للمرسوم الملكي بصفته ذي مرتبة أدنى من القانون فضلاً عن الدستور، أن يخالف الدستور أو أن يعطل أحكامه وفقاً لنص المادة (123) من الدستور سالفة الذكر ولما جاء من شرح لهذه المادة في المذكرة التفسيرية للدستور، التي لها صفة الإلزام كما تكرر القول؛ وعليه فإنه ووفقاً للتأسيس أعلاه تكون النيابة العسكرية غير مختصة بالتحقيق في هذه الواقعة بصفتها شُعبة من القضاء العسكري؛ مما يكون معه والحال كذلك تحقق بطلان جميع تحقيقات النيابة العسكرية لمباشرتها من سلطة غير مختصة بذلك قانوناً ولمخالفتها الصارخة للمادة (105) من الدستور البحريني ويلحق البطلان أحكام محكمة السلامة الوطنية لابتنائها على تلك التحقيقات الباطلة فتكون مثلها في البطلان.
ولا ينال من ذلك نص المادة (7) من المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 بإعلان حالة السلامة الوطنية، التي أسندت للنيابة العسكرية اختصاص التحقيق في هذه الجرائم، فكما ذكرنا أعلاه؛ ولكون النيابة العسكرية شُعبة من شُعب القضاء العسكري فإن الجرائم التي يجوز لها التحقيق فيها هي الجرائم التي يختص القضاء العسكري بنظرها، وعليه فإن المادة رقم (7) من المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 ، تكون قد خالفت المادة رقم (105/أ) من الدستور.

والخُلاصة: فإنه إذا أتى تشريعٌ مخالفاً للدستور ومثياق العمل الوطني الذي تم التوافق عليه فيما يشبه الإجماع، وتجافى ذلك التشريع مع مواثيق حقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، التي انضمت إليها البحرين والتزمت بها وصارت جزءاً من نسيجها التشريعي، إلا أن ذلك التشريع صار يُدين على الدلائل والشُبُهات، متشدداً إلى حد التشنج، فضفاض الصياغة إلى حد الغموض مُوغِلاً في مُضاعفة الحدود القصوى للعقوبات السالبة للحرية، وفي تقرير حكم الإعدام في أكثرنصوصه؛ فإن ذلك يجعله متخلفاً عن ركب الحضارة والتمدين القانوني؛ وخصوصاً أن عقوبة الإعدام قد ألغاها الفراعنة منذ سنة 703 قبل الميلاد، فإذا أضفنا لها 2012 سنة، فنكون متخلفين عن مسيرة النظم القانونية العريقة المتمدينة بألفين وسبعمئة وخمس عشرة سنة فقط، وهو أمر لا يدعو للفخار، ويجعل الإنسان ينظر لهذا المرسوم بقانون وهو واجماً مما كان خائفاً مما سيكون، فذلك وضع يقتل الإبداع ويُدخل الوطن في حالة انعدام الوزن والتوازن ويخلع عن البلاد وصف دولة القانون والمشروعية.

حلقات القراءة الدستورية بصحيفة الوسط (1) (2) (3) (4) (5) (6) (7) (8) (9)




تابع القراءة

0 وزير الداخلية: لا يوجد لدينا مرتزقة ... وتوظيف سنة أو شيعة لحفظ النظام قد يخلق مشكلة أكبر

التسميات:

أخوان وزير الداخلية حسب قوله للعربية في أحد المهام القذرة.






المنامة – وزارة الداخلية

قال وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ ارشد بن عبدالله آل خليفة إن "وزارة الداخلية لا يعمل لديها مرتزقه، نحن عندنا إخوان يعملون وهذا الأمر ليس بجديد، يعملون صار لهم سنين، ومنهم من تجنس واليوم وأولادهم يعملون بوزارة الداخلية".
وتحدث الوزير بصراحة قائلاً: "تصور، إني قمت بتوظيف كتيبة حفظ نظام سنية ولا كتيبة حفظ نظام من الشيعة ثم طلبت منهم التحرك لمعالجة أمر ما في أحد المواقع أو إحدى القرى، ألا تعتقد أني في هذه الحالة خلقت مشكلة أكبر من أن أعالجها".
جاء ذلك خلال اللقاء الذي أجراه الوزير مع قناة العربية مساء اليوم،



ولكم نص الحوار:


العربية نت : حديث الساعة خليجياً محاولة اغتيال سفير المملكة العربية السعودية لدى واشنطن وتداعياتها على مشهد العلاقات الإيرانية الخليجية وهناك تسريبات صحفية أمريكية تؤكد أن المشتبه به له علاقة ببعض قادة الاحتجاجات التي شهدتها مملكة البحرين في فبراير ومارس، ما تعليقكم ؟
الوزير    أولاً أشكركم على هذه المقابلة ، فيما يتعلق بهذا الأمر وهذا الحدث ، نشكر الله سبحانه على أن هذا الأمر لم يتم ، والصحيح تشكر جهود الأجهزة الأمنية التي تمكنت من كشف هذا الأمر.
أنا اعتبر هذا العمل من أعمال الغدر وعمل يتنافى وكل اتفاقيات التعاون وحسن الجوار، لكن لابد من معرفة أن من يستهدف بهذا الأمر ، يكون عادة الشخص الخير ، الذي لديه وطنية.
وعلى العموم ، إذا كان القصد إحراج  العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، فأعتقد أن النتيجة ، أصبحت عكسية.
[ ماذا عن التسريبات الصحفية التي تحدثت عنها وسائل الإعلام الأمريكية عن العلاقة بين المشتبه به وقادة الاحتجاجات التي شهدتها المملكة؟
-    هي في الصحيح معلومات إعلامية مهمة ، وأنا أضعها في هذا الإطار.
[ شهدت مملكة البحرين في الآونة الأخيرة حوادث ، قالت عنها وزارة الداخلية  إن فيها شبهة جنائية ، بينما تتهمكم بعض أطراف المعارضة أنكم تسببتم بوقوع تلك الضحايا.. لتتحدث هنا عن ضحية في جزيرة سترة وضحية أخرى من بعده ، ما دليلكم أن ما حدث فيه شبه جنائية؟
-    في القضية الأولى، الصحيح أننا تحركنا عليها بسرعة ، وحاولنا أن نحصر  المعلومات ، ولكن أقوال الشهود فيها اختلاف كبير ، الأمر الآخر أن أحد الشهود لا يزال خارج المملكة ، وفي آخر تتبع له ، عرفنا أنه دخل الحدود السورية عن طريق الأردن.
الأمرين الآخرين أنه عند فحص دم الضحية الذي توفي في هذه القضية ، تبين من خلال المختبر الجنائي أنه لم يكن هناك أثر لمسيل الدموع في الدم ، والأمر الثالث وهو فني، ويتمثل في صعوبة التسديد لمقذوف مسيل الدموع لإصابة الشخص خصوصاً إذا كان متحركا.
بخصوص القضية الأخرى، لازلنا لم نلتق ولم يصلنا الشهود الذين كانوا بالمنطقة ولا زالوا مطلوبين ،  كما أن النيابة مازالت تحقق مع بعض الشهود.
الأمر الآخر أننا لاحظنا أن هناك فرقا واضحا في عيار الطلقة التي أصابت الشخص الذي توفى أو الضحية ، فالعيار المستخدم بوزارة الداخلية صغير، بينما ما تم الحصول عليه من قبل النيابة وتم مقارنته ، عيار أكبر بكثير.
[ هل استخدمتم القوة المفرطة مع المتظاهرين ؟ وهل كانت معالجتكم الأمنية تتسم بالقسوة؟
-    أنت تتكلم عن التعامل بشكل عام، في الواقع يجب الرجوع إلى أصل الموضوع حتى تتكلم عن المتظاهرين، فأمر المتظاهرين ليس بجديد ، ففي إحدى السنوات بلغ عدد التظاهرات 400 تتوزع مابين تجمع ومظاهرة ، فنحن اليوم ، نشكل شرطة هذا الانفتاح ودورنا اليوم أن نحمي هذا  الانفتاح والتعامل لا يتم مع المتظاهرين إلا  عندما تكون التظاهرة غير قانونية ، وسوف أصحح أمرا نقوم باستخدامه ، ونستمع له كثيراً  وهو مسيرة سلمية ومسيرة غير سلمية.
لا .. هناك مسيرة قانونية ومسيرة غير قانونية، ونحن نتعامل ونطبق القانون مع أي مسيرة أو أي تجمع غير قانوني ، لكن بالنسبة لاستخدام القوة  فليس هناك شك أن هناك تدرجا في استخدام القوة.
[ انتم متهمون باستخدام الرصاص الحي، لماذا أطلقتم الرصاص الحي على المتظاهرين؟
-    أولا إنني شخصياً لم أستلم في أي يوم من الأيام ، أمرا من أي مسئول بإطلاق النار، لا خلال أيام الأزمة إذا ممكن أن نطلق عليها أزمة ، أو غيرها.
 الأمر الآخر: الأمر الذي صدر من وزارة الداخلية خلال الفترة ( فترة التعامل) مع المتواجدين بالدوار في ذلك الوقت ، لم يأت بجديد في هذا الخصوص، بل أؤكد على الالتزام بما ورد بقانون قوات الأمن العام فيما يتعلق باستخدام السلاح .
[ أنتم أعلنتم أن هناك أخطاء وقعتم بها وتصريحات صحفية تحدثت من بعد تصريحات لجنة تقصي الحقائق قالت أن هناك بعض التصرفات الفردية التي صنفت كأخطاء يعني يوجد أخطاء لديكم.
-    إذا كنا نتكلم عن فترة الاضطراب الذي تم ، وهذا الأمر الذي تنظر فيه لجنة تقصي الحقائق وهو ما حدث في شهري فبراير ومارس ، فالحدث الذي وقع كبير والصحيح  أنه كانت هناك مخالفات وتجاوزات للقانون كثيرة  ولا أعتقد أن كل من تجاوز وخالف تم القبض عليه.
هناك نظام ومحاسبة، وهذا النظام لا يقتصر على فترة الشهرين التي تتقصى عنهما اللجنة بل بالعكس فإن من المعلومات التي تم تقديمها إلى لجنة تقصي الحقائق أن وزارة الداخلية عندها نظام يحاسب ، مثلما عدنا نظام للشكر والثواب.
[ ماذا فعلتم بهذه الأخطاء؟ هل هناك آلية وضعتموها لوزارة الداخلية لرصد تلك الأخطاء؟
-    الآلية موجودة وإذا كان القصد مدى اهتمامنا بتلقي الشكاوي ، فعندنا إدارة معنية بحقوق الإنسان وتلقي الشكاوي ، وقد تلقينا العديد من الشكاوي وهناك إجراءات اتخذت عليها وهذا الأمر راعيناه في إعادة تنظيم وتشكيل الوزارة ، وهذه الإدارة تقع تحت المفتش العام  ولديها أيضا رقم هاتف خاص يتم الاتصال به وتم الإعلان عنه أكثر من مرة للمواطنين الذين لديهم شكوى ويمكن أن يتقدموا بها.
[ هل أنت طائفي؟؟
-    اللي ما يفتخر بأهله واللي ما يفتخر بهويته ، مسامحة ، ما فيه خير،  فأنا بدون شك أفتخر بانتمائي ولكني إذا كنت طائفيا أو متشددا فأنا متشدد جداً في وطنيتي ومتشدد جداً بعروبتي.
[ هل وزارة الداخلية في البحرين طائفية ؟ هل هي حكر على طائفة واحدة؟ لنتحدث بصراحة هل هي حكر على الطائفة السنية؟
-    في الواقع أنا ارفض الحديث في موضوع الطائفية ، لكن في الوزارة كل الطوائف ممثلة وسبق وأن أجبت على هذا السؤال في أكثر من مناسبة ، لكن هذا الموضوع يجرني إلى موقف عند بداية تكليفي باستلام هذه الوزارة من قبل سيدي حضرة صاحب الجلالة ، أتذكر كلمات جلالته حين قال: تذكر بأنك في خدمة الجميع ، ثم أضاف عليها ، أطال الله بعمره، لا تكون فقط سيارات الشرطة تذهب إلى القرى لأخذ أحد الأبناء، هذا الموضوع رأساً جعلني أفكر في مشروع شرطة المجتمع.
وهذا مشروع رائع  لأننا جندنا في أول دفعة حوالي 100 شرطي للمجتمع في كل محافظة وهو من المشاريع الناجحة التي تعزز الشراكة المجتمعية ، والصحيح أن رجال الشرطة يعملون كفريق ومن ينتظم ويعمل بجد يشكر ، ومن يخالف يعاقب.
[ لماذا تستعينون بالمرتزقة؟ هل لديكم مرتزقة بوزارة الداخلية ؟  اسمح لي على هذا السؤال لكنه شائع
-    أولاً لنتحدث عن المصطلح نفسه وهو الشخص المستأجر للقيام بعمل ما وغالبا يكون في هذا العمل مغامرة أو عمل خطير ، وقد يكون غير قانوني.
لا يوجد لدينا مرتزقة ، نحن عندنا إخوان يعملون وهذا الأمر ليس بجديد ، يعملون صار لهم سنين،  ومنهم من تجنس واليوم وأولادهم يعملون بوزارة الداخلية وهناك جانب أريد الحديث عنه بصراحة .
يعني تصور ،إني قمت بتوظيف كتيبة حفظ نظام سنية ولا كتيبة حفظ نظام من الشيعة ثم طلبت منهم التحرك لمعالجة أمر ما في أحد المواقع أو إحدى القرى، ألا تعتقد أني في هذه الحالة خلقت مشكلة أكبر من أن أعالجها.
لا أستطيع الطلب من شخص في بلد صغير ، الناس تعرف بعضها فيه ، أن يقوم فيها مثل هذا العمل، في البلاد الأخرى الكبيرة ترى الشرطة وعمليات الأمن بالذات يأتون من مناطق بعيدة والناس لا تعرفهم ، ليس مثلنا ، فأنا واجبي المحافظة على هذا التجانس وليس العكس.
[ حدث اقتحام اكبر مجمع تجاري في البحرين يعني اتهموكم أنكم استخدمتم قوة مفرطة داخل مجمع تجاري وأنكم اعتقلتم نساء ما هو تعليقكم .
-    القوة المفرطة مبدأ أرفضه تماماً لكن نحن نتعامل مع الأمر الغير قانوني وبالعكس فنحن من اجل التعامل مع هذه المواقف أوجدنا قوة مكونة من الشرطة النسائية ، حتى لا نترك رجلا  يتعامل مع امرأة ، حفاظاً على عاداتنا وتقاليدنا.
الأمر الآخر ، أن هذا  الأمر لم نتمنى حصوله وكان فيه مخالفة قانونية صريحة، وكان هناك عدد كبير من النساء في الموقع ، وكان لابد أن يتم التعامل مع الموقف لأنه غير قانوني ، لكن قلب الحقائق في هذا الأمر هو ما يجب أن نتوقف عنده  ونرد عليه ، والصحيح أن ترك هذا الأمر يحدث والتشجيع عليه،  هو الخطأ.
إن المرأة إن كانت عزيزة ، فيجب عدم تركها والزج بها في موقع تكون فيه مخالفة ، فالمرأة لها كل الاحترام والمعزة (الحشيمة) في مجتمعنا ونحن ناس تعرف الأصول وهذه عاداتنا ونحن  نحترمها دون شك ونؤكد على هذه الثوابت وعلى الناس أن تلتزم بها.
[ هناك من يتهمكم أن عالجتم مشكلة سياسية حدثت في فبراير ومارس بمعالجة أمنية هل كان استخدام المعالجة الأمنية وقاية أم علاج؟
-    يمكن العنوان كان سياسيا ، لكن في واقع الحال إن ما كان أمامنا عبارة عن مؤامرة علنية لقلب نظام الحكم وتحويل البلد إلى جمهورية إسلامية ، هذا الأمر ليس  سياسيا.
هذا الأمر أطلق من منصة إسقاط النظام وهذا الأمر أطلق والدوار فيه رافعات والرافعات ما كانت لرفع العلم ، والناس الذين تكلموا من على هذه المنصة معروفون كأشخاص ومعروفة المؤسسات والجمعيات التي ينتمون إليها.
الصحيح أن الموقف لم يكن سياسيا ، وإذا كان القصد الإصلاح السياسي فنحن في قمة عطائنا وعصرنا الإصلاحي بقيادة جلالة الملك ، ولو نظر أي واحد بكل تجرد إلى ما أنجز سياسياً خلال العشر سنوات ابتداء من الميثاق والدستور وما تبع ذلك من إصلاحات سياسية في عهد جلالة الملك، المفروض  أن يفخر بأنه شارك وأنه جزء من هذا الانجاز العظيم.
[ قبل أن نتحدث حول علاقتك بالجمعيات السياسية كوزير داخلية دعنا نتحدث الآن عن اتهام تردد كثيراً إنكم تنتهكون حقوق الإنسان في مراكز التوقيف التابعة لوزارتكم ؟؟ وإنكم تعتمدون على أسلوب الضرب أو التعذيب لانتزاع الاعترافات الأولية ما حقيقة هذا الاتهام؟ وما هو ردكم؟
-    إذا كانت هناك تجاوزات فردية فأرجو ألا تعمم ، لأن هذا ليس نهج الوزارة أو البلد ، وأريدك أن تعلم يا أخي أنه عندما أتكلم عن حقوق الإنسان فنحن أهل بلد ولسنا بحاجة إلى أناس تكون أحرص منا بالخارج على أهلنا وأبنائنا، والذي واجبنا رعايتهم.
هناك أخطاء وادعاءات ، والإدعاء ننظر فيه وإذا كان للمدعي حق ، سوف يأخذه وإن لم يكن هناك شيء نكون حمينا الشخص الذي تم عليه الادعاء، فنحن ننظر في جميع الادعاءات.
[ هل تقف أنت كوزير داخلية ووزارتك على مسافة ثابتة وواحدة من جميع الجمعيات السياسية في مملكة البحرين.
-    إن شاء الله إننا على مسافة واحدة ، ليس فقط مع الجمعيات السياسية بل مع الجميع ، وليس هناك شك في أن الجمعيات السياسية ، شريك أساسي وان كان الوزير المعني بها هو وزير العدل إلا أن هناك اتصال كونهم جمعيات نشطة ولهم حضور في المجتمع ، وتعاملنا بدون شك مع الجميع من خلال القانون .
[ إذا كنتم على مسافة ثابتة كما تقول لماذا منعتم فعالية السلسلة البشرية التي دعت لها جمعية الوفاق المعارضة .
-    أولاً  هذه ليست المرة الأولى التي تمنع فيها فعالية لجمعية سياسية ولكن عن هذا الأمر بالذات ، فالصحيح أن الموضوع الذي تم منعه سلسلة بشرية ، أي امتداد بشري على مسافة عدة كيلومترات ، وواجبي أن أحمي المتظاهرين وأيضا حماية الناس الموجودة في المنطقة وهذا السلسلة البشرية كانت بمحاذاة شارع رئيسي في البحرين وأريد أن أتوقف عند هذه النقطة:
الشوارع الرئيسية في البحرين أمر حيوي وفي غاية الأهمية ، يعني عندما تتعطل سيارة في الشارع  فإن الآلاف يتأخرون ، مجرد ما أسمع فكرة سلسلة بشرية : كيف ستقوم اللجنة المنظمة  بتنظيمها أو ضبطها؟ كيف سأقوم أنا بحماية هذه السلسلة أو التظاهرة؟ كيف سأحمي الشارع وأحمي السلسلة من الشارع؟ إذن الصحيح أن هذا الوضع غير طبيعي وصعب تنظيمه وحمايته.
ترى التجمعات مثل ما هي موجودة في البلاد الأخرى والذي نجحنا فيه نحن في الداخل أن يكون فيه تجمع وتكون هناك الرسالة المطلوبة وسيطرة أكثر من قبل اللجنة المنظمة ويمكن هذه هي الأسباب التي جعلتنا نمنع هذه الفعالية .
[ كرجل أمن ألا تعتقد أن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق هو قد يعرقل عملك في وزارة الداخلية يعني ، ألا يسبب لك بعض الحرج التعامل مع لجنة لتقصي الحقائق بأحداث ترتبط بوزارتكم .
-    إن هذا القرار قرار قائد  والصحيح أنها مبادرة قدرها العالم ، ويهمنا جدا أن تنجح هذه اللجنة في مهمتها لمصلحة البحرين ، والقائمون على هذه اللجنة معروفون بعملهم في هذا الحقل وهذا السياق ، ونحن من جانبنا تعاونا بكل شفافية ، واللجنة تحركت في كل اتجاه للحصول على المعلومات التي تفيدها ، ونحن الآن في انتظار التقرير مع نهاية الشهر والذي لاشك فيه أن هذا التقرير ، تنتظره البحرين لترى كيف تستفيد من نتائجه للمستقبل.

[ لماذا تم الاستعانة بالجيش أذا كانت الوزارة قادرة على بسط الأمن في المملكة ؟؟
-    لو رجعنا إلى الظروف في حينها ، كانت المؤشرات تدل على حصول صدام بين الأهالي ، وهذا الأمر لم نكن  في أي حال نسمح به .
الأمر الأخر: أهمية حسم الأمر يعني وجود قوة كافية لحسم الموضوع ، والأمر الآخر تقليل الخسائر  وإذا كانت القوة كافية بالعدد ففي هذه الحالة نستطيع تقليل الخسائر وهذا فعلا ما حصل.
لو تذكرنا عملية إخلاء الدوار ، فهي أنظف عملية أمنية تمت ، أنا أتكلم عن عملية إخلاء الدوار بالتحديد، تنفيذ عملية إخلاء الدوار تم من قبل قوات الأمن وليس من قبل القوات العسكرية .
دور قوة الدفاع كان محصورا  في ضبط بعض عقد المواصلات الرئيسية في البلد ، والاهتمام ببعض الطرق الرئيسية وإزالة ما وضع فيها وعطل حركة المرور عليها ، بالإضافة إلى دور الحرس الوطني الذي استلم موقع الإخلاء وتنظيفه و لازال موجودا .
لكن عندما تتكلم عن الخسائر  فالصحيح أنها معادلة صعبة ، فأنا كعسكري في الأساس ، دائما كنت أهتم بكيفية تجنيب الأفراد والوحدات التي كنت مسئولا عنها الخسائر ، سواء خسارة في الأرواح أو المعدات ، لكن في العمل الأمني وما صادفته ، يجب أن أتفادى الخسائر من الطرفين :كيف أجنب الخسائر في صفوف رجال الأمن وكيف أجنب الخسائر في صفوف المواطنين الذي دوري أساسا حمايتهم ، وهذه معادلة ليست سهلة ، لكن هذا هو العمل الأمني  ، فدورنا الحفاظ على الأرواح وليس العكس ونحن لسنا قوة غازية ، نحن قوة وطنية.
[ أيضا لماذا تم الاستعانة بقوات درع الجزيرة سؤال منطقي يطرح نفسه ما هي إجابتكم معالي الوزير؟
-    قوات درع الجزيرة هي قوات عسكرية وليس قوات أمنية وهي أتت لتنفيذ مهمة عسكرية وهي المساهمة في صد أي اعتداء خارجي .

[يعني هي لم تقم بمساعدتكم في عملية إخلاء الدوار؟
-    قوات درع الجزيرة كانت في موقعها ولم يخرج أي فرد بزي عسكري إلى العاصمة لواجب امني داخل البلد.
[ ولا بزي مدني كما تدعي بعض الإطراف؟
-    ولا بزي مدني من أجل مهمة ، هذا الأمر واضح والتعاون من قبل دول المجلس في إطار اتفاقية الدفاع المشترك  أمر واضح ، وللدولة أن تستعين بقوات درع الجزيرة إذا رأت الحاجة إلى ذلك .
 [ ما هي الرسالة التي توجها من خلال  قناة العربية إلى جميع المواطنين والمقيمين في مملكة البحرين ؟
-    أمانة نحن مررنا بحالة من اضطراب الأمن العام خلال الأشهر الماضية وتكبدنا فيها خسائر في الأرواح  وخسائر في المال والاقتصاد وفقدنا معايير التعايش السلمي وأرى اليوم الخروج ، فنحن اليوم في مرحلة تسمى مرحلة التعافي ولله الحمد التعافي الوطني يقوده صوت الاعتدال  والاعتدال في حد ذاته موقف.


الاعتدال هو الموقف الصعب بتحليلي ، الاعتدال لا يعني التخلي والتراجع ، يعني الصمود والثبات وهذا الأمر صعب  في ظل وجود شعور بالاصطفاف الطائفي ، لكن الدول والأمثلة كثيرة لابد من التقارب والالتقاء عند نقطة تسمى التوافق الوطني في مثل هذه المواقف ، وهذا الأمر ليس سهلا  ويحتاج إلى تضحية ، ولكن التضحية تعني التنازل عن المطالب الفئوية والطائفية ونلتقي في الرأي المشترك المبروك ، وإذا وجد رأي أو مطلب نختلف عليه ، يترك ، فمن أجل الوطن التضحية واردة وهذا هو الأمر المطلوب في مثل هذا الوقت ، حتى يقف ويكسب الجميع ، وفي الختام فإن القانون يبقى هو الفيصل وسيادة القانون يجب أن تسود.

تابع القراءة
 
شبكة اللؤلؤة الإخبارية © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates