05 نوفمبر 2011
يتابع "مركز البحرين لحقوق الإنسان" بقلق كبير تدهور أوضاع السجناء المحتجزين بسجن جو المركزي، ويتضمن ذلك التعرض لسوء المعاملة والعقوبات التعسفية خصوصاً السجن الانفرادي والتي تترافق أحياناً بالاعتداء الجسدي، كما يتضمن ذلك سوء الظروف العامة الناتجة عن اكتظاظ السجن بأعداد كبيرة من المحكومين تفوق طاقته الاستيعابية، حيث يتم حالياً حشر 17 سجيناً في زنزانة واحدة لا يمكنها أن تستوعب أكثر من أربعة أسرة نوم بطابقين. ويبقى هؤلاء في الزنزانة لمدة لا تقل عن عشرين ساعة يومياً ولديهم في الزنزانة مرفق صحي واحد للاستحمام وقضاء الحاجة والغسيل، كما أن الغرفة نفسها تستخدم للأكل والنوم والاستراحة وممارسة الشعائر الدينية.
ويتم الجمع في الزنزانة الواحدة بين مختلف الأعمار، حيث أن عدد كبير من المسجونين على ذمة القضايا الأمنية والسياسية هم من المراهقين والشباب الصغار والذين يتم جمعهم بمحكومين في قضايا جنائية من جنسيات مختلفة وبعضهم من أصحاب السوابق الإجرامية. ويجد المسجونون صعوبة كبيرة في الحصول على عدد كاف من المصحف الشريف، والكتب الدينية المرتبطة بممارسة الشعائر الدينية اليومية، وبصعوبة أكبر يمكن الحصول على أية كتب ثقافية أو عامة. ورغم أن الجرائد اليومية التي توفرها إدارة السجن هي فقط تلك التي تؤيد سياسات الحكومة، فإن هذه الجرائد تخضع للرقابة، وأحياناً كثيرة يتم منعها لأنها تحتوي على أخبار أو معلومات عن الأوضاع خارج السجن. يضاف إلى جميع ذلك الحرمان الكامل من متابعة الأخبار اليومية عبر القنوات التلفزيونية. فرغم توفر أجهزة التلفزيون في الأماكن التي يخرج إليها السجناء في ساعات معدودة يومياً، إلا أن ما يعرض لا يتعدى الأفلام السينمائية مما يجعل المسجونين في انقطاع شبه تام عما يجري في البلاد أو خارجها. وحيث أن هناك رقابة مشددة على الاتصال بالأهل والذي يتم مرة واحدة اسبوعياً لمدة نصف ساعة، وكذلك زيارة الأهل التي تتم مع عدد محدود جداً منهم لمرتين في الشهر، فإن السجين لا يستطيع أن ينقل معاناته داخل السجن عبر التواصل مع الأهل، وإذا قام بذلك فإنه يتعرض لعقوبات السجن الانفرادي وإساءة المعاملة وأحياناً الاعتداء الجسدي.
وتبدأ سوء المعاملة منذ الاستقبال الأول للسجين حيث يتم إهانته والإساءة إليه وتهديده، أما بعد ذلك فإن حسن المعاملة أو سوءها يعتمد على المكلفين بإدارة شئون السجناء حيث أن العديد منهم يبدو عليه حالة التعبئة السياسية أو الطائفية خصوصاً ضد المسجونين من ذوي القضايا ذات الخلفية السياسية. ويفتقر السجن لنظام تفتيش فاعل يضبط التجاوزات التي يقوم بها هؤلاء أو تقوم بها إدارة السجن. كما لا يتاح للمسجونين فرصة مخاطبة الجهات العليا بحرية وأمان من العقاب، مما يحد تماماً من قدرتهم على تحسين أوضاعهم أو الاحتجاج على سوء المعاملة. بل إن السلاح الوحيد المتبقي للسجناء لتحسين أوضاعهم وهو الإضراب عن الطعام يتم التعامل معه بقسوة شديدة حيث يتم تعريض أي مضرب عن الطعام للسجن الانفرادي وسوء المعاملة وأحياناً الضرب المبرح ليكون عبرة للسجناء الآخرين كما حدث في يوليو الماضي حين تم الإستعانة بقوات مكافحة الشغب لإيقاف إضراب السجناء عن الطعام[1] .
ويتعرض السجناء للمعاملة المهينة في كل مرة يتم أخذهم إلى خارج السجن أو للقاء أقاربهم وكذلك عند عودتهم. حيث يتم إجبارهم على نزع جميع ملابسهم ولبس إزاراً والجلوس بطريقة معينة بحجة أن ذلك الإجراء لمنع تهريب المواد المخدرة، في حين أن هذا في حد ذاته سبب كاف للفصل بين المسجونين وفقاً لنوعية قضاياهم وطبيعة التهم ضدهم.
ويقبع في سجن "جو" المركزي حالياً المئات من السجناء ممن صدرت في حقهم أحكاماً أولية أو نهائية، فيما يتوزع مئات آخرون في سجون أخرى مثل الحوض الجاف وسجن "القرين" العسكري وسجن القلعة بالمنامة ومراكز الشرطة بالمناطق المختلفة. وكانت آخر معلومات عن الطاقة الإستيعابية للسجن[2] تشير إلى استيعابه لـ 816 نزيل في حين وصل عدد السجناء في أغسطس 2010 إلى 1300 سجين ، ويتوقع أن العدد الحالي يفوق ذلك في ظل الأحكام الجماعية المتسارعة في الشهرين الماضيين.
وكان سجن "جو" المركزي سيء الصيت منذ بداية إنشاءه وخصوصاً فيما يتعلق بالسجناء السياسيين، ولكن بسبب الضعوط الدولية – وخصوصاً زيارات الصليب الأحمر الدولي للسجن في التسعينات – فقد تحسنت أوضاع السجن بشكل كبير. إلا أن أوضاع السجن بدأت بالتدهور من جديد في السنوات الأربع الأخيرة مع تعاظم دور جهاز الأمن الوطني وعودة التعذيب الممنهج، ولكن التدهور الأسوأ في أوضاع السجن جاء بعد قمع موجة الاحتجاج الشعبي الواسع الذي بدأ منذ 14 فبراير 2011.
وقد قام مركز البحرين على مدى الأشهر الماضية بإصدار تقارير عن الاعتداءات المتكررة على سجناء جو كان آخرها في أغسطس 2011 والذي وثق عدد من حالات تعذيب السجناء السياسيين.
ويرى المركز أن استمرار إساءة المعاملة داخل السجن هو نتيجة لغياب الرقابة الدورية من الجهات المستقلة عن السجن، حيث لم تمنح أي جهة حقوقية مستقلة الإذن لزيارة السجن المركزي في "جو" منذ المرة الوحيدة التي كانت في شهر ديسمبر 2005 والتي زارت فيها جمعية حقوق الإنسان البحرينية السجن، أما منظمة الصليب الأحمر الدولية فكانت آخر زيارة لها قبل عقد من الزمن، وذلك برغم طلبها المتكرر الذي لم يتم الاستجابة له . ورغم زيارة اللجنة المستقلة للتحقيق للسجن في أغسطس الماضي إلا أن التغييرات الشكلية التي طرأت كنقل بعض الحراس والضباط من مواقعهم لم تسهم في تغيير حقيقي في واقع سوء المعاملة الذي لا يزال مستمراً في السجن. يُذكر أن البحرين لم تصدق حتى الآن على البروتكول الاختياري لمعاهدة مناهضة التعذيب، لأنه يشترط أن تكون هناك لجنة دائمة لزيارة السجون وأن تكون الزيارات بشكل مفاجئ.
إن "مركز البحرين لحقوق الإنسان" إذ يؤكد على ما نصت عليه المواثيق الدولية المتعلقة بحماية الأشخاص الذين يتعرضون للاحتجاز والسجن وخصوصاً في أن "يعامل جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن معاملة إنسانية وباحترام لكرامة الشخص الإنسانية الأصيلة"، فإن المركز يدعو السلطات البحرينية وكل من يعنيه الأمر التحرك العاجل من أجل ضمان حقوق المحتجزين والسجناء في البحرين، وخصوصاً في سجن "جو" المركزي، ومن بين ذلك:
1. التفتيش المنتظم والمفاجيء للسجون وأماكن الاحتجاز من قبل ممثلين عن المنظمات الدولية المختصة إضافة للمنظمات المحلية المستقلة والسلطات العليا مع انتداب مفتشين مؤهلين ذوي خبرة ونزهاء، على أن يتم تصحيح الأوضاع وملاحقة المتورطين في أية انتهاكات ومحاسبة أو عزل الجهات الإدارية المقصرة.
2. الالتزام الكامل بالمادة (31) من "القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء" الصادرة عن الأمم المتحدة والتي تنص على أن: "العقوبة الجسدية والعقوبة بالوضع في زنزانة مظلمة، وأية عقوبة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة، محظورة كلياً كعقوبات تأديبية". وتوصي "المباديء الأساسية لمعاملة السجناء" بأن: "يضطلع بجهود لإلغاء عقوبة الحبس الانفرادي أو للحد من استخدامها وتشجيع تلك الجهود". وتنص "القواعد النموذجية" في المادة (29) على أن "يحدد إما بالقانون وإما بنظام تضعه السلطة الإدارية المختصة: (أ) السلوك الذي يشكل مخالفة تأديبية، (ب) أنواع ومدة العقوبات التأديبية التي يمكن وضعها، (ج) السلطة المختصة بتقرير إنزال هذه العقوبات". وتنص المادة (30) على أنه "لا يعاقب أي سجين إلا بعد إعلامه بالمخالفة وإعطاءه فرصة فعلية لعرض دفاعه، وعلى السلطة المختصة أن تقوم بدراسة مستفيضة للحالة." كما تنص المادة (33) على أنه "لا يجوز أبداً أن تستخدم أدوات تقييد الحرية، كالأغلال والسلاسل والأصفاد وثياب التكبيل كوسائل للعقاب".
3. الفصل بين المسجونين وفقاً لطبيعة قضاياهم. فإنه وفقاً للمادة (63) من "القواعد النموذجية" فإن: "الإنفاذ الكامل لهذه المباديء يتطلب إفرادية المعالجة، وبالتالي يقتضي الأخذ بنظام مرن لتصنيف السجناء في فئات". ووفقاً للمادة (67/أ): "تكون مقاصد التصنيف الفئوي أن يفصل عن الآخرين أولئك المسجونون الذين يرجح بسبب ماضيهم الجنائي أو شراسة أطباعهم، أن يكونوا ذوي تأثير سيء عليهم.." وفي المادة (68): "تستخدم لعلاج مختلف فئات المسجونين، بقدر الإمكان، سجون مختلفة أو أقسام مختلفة في السجن الواحد". وفي الفقرة (2) من المادة (63) "ليس من الضروري أن يتوفر في كل مؤسسة نفس القدر من متطلبات الأمن بالنسبة لكل فئة..".
4. تحسين الظروف المعيشية اليومية حيث تنص المادة (60) من "القواعد النموذجية" على أنه: "ينبغي لنظام السجون أن يلتمس السبل إلى تقليص الفوارق التي يمكن أن تقوم بين حياة السجن والحياة الحرة، والتي من شأنها أن تهبط بحس المسؤولية لدى السجناء أو بالاحترام الواجب لكرامتهم البشرية". وتنص المادة (10) على أن: "توفر جميع الغرف المعدة لاستخدام المسجونين .. جميع المتطلبات الصحية (..) وخصوصاً من حيث حجم الهواء والمساحة الدنيا المخصصة لكل سجين والإضاءة والتدفئة والتهوية".
5. تزويد السجناء بمعلومات مكتوبة حول الأنظمة المطبقة عليهم، وضمان حقهم في الشكوى. ويجب وفقاً للمادة (35) من "القواعد النموذجية": "أن يسمح لكل سجين بتقديم طلب أو شكوى إلى الإدارة المركزية للسجون أو السلطات القضائية أو إلى غيرهما من السلطات، دون أن يخضع الطلب أو الشكوى للرقابة من حيث الجوهر.. ويتوجب أن يعالج دون إبطاء وأن يجاب عليه في الوقت المناسب".
6. يجب ضمان حقوق السجين فيما يتعلق بالاتصال بالعالم الخارجي فيما يتعلق بالاتصال بأسرته وأصدقاءه، كما تنص عليه المادة (37) من "القواعد النموذجية". ويجب وفقاً للمادة (39) "أن تتاح للسجناء مواصلة الاطلاع بانتظام على مجرى الأحداث ذات الأهمية عن طريق الصحف اليومية أو الدورية".. ومع تطور وسائل الإعلام يتم ذلك عبر محطات الإذاعة والتلفزيون أيضاً.
7. توفير الكتب للسجناء عملاً بالمادة (40) من "القواعد النموذجية": بأن "يزوّد كل سجن بمكتبة مخصصة لمختلف فئات السجناء تضم قدراً وافياً من الكتب الترفيهية والتثقيفية على السواء. ويشجع السجناء على الإفادة منها إلى أبعد حد ممكن". والسماح للسجناء بجلب مثل تلك الكتب. وكما تنص المادة (42): "يسمح لكل سجين.. بأداء فروضه الدينية.. وبحيازة كتب الشعائر والتربية الدينية التي تأخذ بها طائفته". ووفقاً للمادة (77): "تتخذ إجراءات مواصلة تعليم جميع السجناء القادرين على الاستفادة منه.." كما تنص المادة (78) على أن: "تنظم في جميع السجون، حرصاً على رفاه السجناء البدني والعقلي أنشطة ترويحية وثقافية".
8. يجب ضمان أهلية موظفي السجون، فوفقاً للمادة (46) من "القواعد النموذجية": "على إدارة السجون أن تنتقي موظفيها على اختلاف درجاتهم بكل عناية، إذ على نزاهتهم وإنسانيتهم وكفاءتهم المهنية وقدراتهم الشخصية للعمل يتوقف حسن إدارة المؤسسات الجزائية". وتنص المادة (50): "يجب أن يكون مدير السجن على حظ واف من الأهلية لمهمته، من حيث طباعه وكفاءته الإدارية وتدريبه المناسب وخبرته. وعليه أن يكرس كامل وقته لمهامة الرسمية، فلا يعين على أساس العمل بعض الوقت فحسب".
9. يجب على كل موظف من موظفي السجون الإبلاغ عن أي انتهاك أو مخالفة علم بها. حيث ينص المبدأ (7) من مجموعة المباديء المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون للاحتجاز والسجن" بأن: "على الموظفين – أو أي أشخاص آخرين – الذين يكون لديهم سبب للاعتقاد بأن انتهاكاً لهذه المجموعة من المباديء قد حدث أو على وشك أن يحدث، إبلاغ الأمر إلى السلطات العليا التي يتبعونها، وإبلاغه – عند الاقتضاء – إلى السلطات أو الأجهزة المناسبة الأخرى المخولة سلطة المراجعة أو الإنصاف".
10. أن توقع البحرين البروتكول الاختياري لمناهضة التعذيب، الذي يشترك أن تكون هناك لجنة دائمة لزيارة السجون وأن تكون الزيارات بشكل مفاجئ، وهي الخطوة العملية التي ستثبت جدية البحرين في تحسين أوضاع السجون.
وختاماً.. فإن "مركز البحرين لحقوق الإنسان" يحث السلطات البحرينية والجهات المعنية بحقوق الإنسان في البحرين للعمل على إطلاق سراح جميع المسجونين الذين تم اعتقالهم أو الحكم عليهم لأسباب تتعلق بممارستهم لحرياتهم وحقوقهم الأساسية.
----
[1]http://www.bahrainrights.org/ar/node/3202
[2]http://www.prisonstudies.org/..
[3]http://manamavoice.com/news-news_read-4382-0.html
[4]http://bahrainrights.hopto.org/en/node/4509