• Police in Bahrain: a terrorist gang!
  •   شاهد بالفيديو : أصوات الشبكة تعري النظام البحريني
  •  والد الذبيح نعمة يكشف تفاصيل تصفية أبنه بالرصاص

ملف الطاقم الطبي : أخطر في حلق السلطة البحرينية

الاثنين، 17 أكتوبر 2011 التسميات:


               ملف الطاقم الطبي : أخطر في حلق السلطة البحرينية 



 
"كان الأطباء، السمكة التي أرادت 
السلطة أن تبلع بها حقيقة ضحاياها، 
فابتلعتها سريعاً في قضمة واحدة، 
ونست أن الشوكة أخطر ما فيالسمكة"

بالتزامن مع ما يتعرض له الكادر الطبي من
 محاكمات وانتهاكات وتشويه لبياض مهنته،
 تنشر مرآة البحرين، على حلقاتمجموعة من التقارير
الخاصة التي تحاول أن تجيب على  الأسئلة التالية: 
 لماذا الأطباء والكادرالطبي أكثرمن غيرهم؟
 ماالخطرالذي يمثله وجود هؤلاءعلى السلطة؟
 كيف سارسيناريو الأحداث في مستشفى السلمانية الطبي
 منذ 14 فبرايرحتىالآن؟ 
وكيف عاش الكادر الطبي الأوقات العصيبة وغير الاعتيادية التي فاجأته بشكل لم يكن مهيأً لها؟ 
وكيف تطورتالأحداث المتلاحقة خارج المستشفى، 
وماتأثيرها على الداخل؟ 
وماالذي عايشه الأطباء من إذلال وتنكيل داخل مستشفىالسلمانية 
والمراكزالصحية المختلفة، 
وداخل زنازين السلطة؟ ماالذي واجهه المسعفون؟ وكيف تمّ التنكيل بهم؟
(جميع الحلقات).




 الحلقة الأولى  - شوكة الأطباء 






"كان الأطباء، السمكة التي أرادت السلطة أن تبلع بها حقيقة ضحاياها، فابتلعتها سريعاً في قضمة واحدة، ونست أن الشوكة أخطر ما في السمكة" مراقب

مرآة البحرين (خاص): لماذا الأطباء والكادر الطبي أكثر من غيرهم؟ ما الخطر الذي يمثله وجود هؤلاء على السلطة؟ كيف سار سيناريو الأحداث في مستشفى السلمانية الطبي منذ ١٤ فبراير حتى الآن؟ وكيف عاش الكادر الطبي الأوقات العصيبة وغير الاعتيادية التي فاجأته بشكل لم يكن مهيئاً لها؟ وكيف تطورت الأحداث المتلاحقة خارج المستشفى، وما تأثيرها على الداخل؟ وما الذي عايشه الأطباء من إذلال وتنكيل داخل مستشفى السلمانية والمراكز الصحية المختلفة، وداخل زنازين السلطة؟
كل هذه التساؤلات، سيحاول هذا التقرير الدخول في تفاصيلها على شكل حلقات. مصادرنا هي شهادات من عناصر الكادر الطبي الذين لن نتمكن من ذكر أسمائهم، والحوادث الموثقة والبيانات، بالإضافة إلى إفادات الأطباء والشهود المدونة في محاضر الأمن التي حصلنا عليها بشكل خاص.
  
 البداية

البداية كانت في 14 فبراير. اليوم الأول لبدء الاحتجاجات التي تحمل شعار "الشعب يريد إصلاح النظام" رجال الأمن يقمعون الاحتجاجات السلمية التي خرجت في مناطق متفرقة من البحرين. مستشفى السلمانية تصله عدد من الحالات والإصابات والاختناقات بالغازات المسيلة للدموع، قبل أن تصل حالة الوفاة الأولى، إنه علي مشيمع (21 سنة) أول ضحية في الأحداث. ما يقارب من الـ 50 متجمهراً من أقارب مشيمع توافدوا فوراً إلى المستشفى. تزايد العدد بعد ساعات ليصير 800 حسب إفادة الرئيس التنفيذي للمستشفيات وليد المانع، في ملفات التحقيق، لم تتمكن إدارة المستشفى من إخراجهم، قوات الأمن العام وصلت المستشفى مبكراً، لكنها لم تتمكن من السيطرة على الجماهير الغاضبة، المتجمهرون دخلوا غرفة الإنعاش حيث جثة مشيمع. الإعلام الخارجي كان هناك، دخل غرفة الإنعاش والتقط صور جثة مشيمع. وحسب إفادة وليد المانع، فإنه عند إخبار الوكيل المساعد لشؤون المستشفيات الدكتور أمين الساعاتي، أجاب أنه لا يستطيع القيام بشيء. تم نقل الجثة إلى المشرحة. الفوضى لا تزال قائمة في المستشفى حتى حضر نائبان من جمعية الوفاق، استطاعا السيطرة على المتجمهرين، غادر المتجمهرون الساعة الواحدة صباحاً. الأمن أيضاً وصلهم الأمر بالإنسحاب، انسحب الجميع.

"الأطباء المتهمون لم يكونوا حاضرين هذا المقطع من الحدث، إدارة مستشفى السلمانية وحدها كانت من يدير الوضع هناك، لم تتمكن الإدارة من السيطرة على هذا العدد القليل نسبياً من المتجمهرين الغاضبين، رغم أن خطة الطوارئ كانت قد وضعت قبل هذا الحادث بأيام، وذلك إثر الاعلان عن تاريخ بدء الاحتجاجات الشعبية في شبكات التواصل الاجتماعي" تقول إحدى الطبيبات.

في إفادته التي أدلى بها إلى النيابة، يؤكد المانع أن الوزير السابق فيصل الحمر وجه إلى اجتماع للاستعداد لإدارة الأزمات من باب احترازي، ترأسه الوكيل الساعاتي، وتم فيه توزيع المهام على المسؤولين في المستشفى للقيام بالإجراءات اللازمة. لكن منذ اليوم الأول، فشلت  تلك الإدارة في (إدارة) الأزمة الاحترازية.

 صباح 15فبراير

صباح 15 فبراير تشييع القتيل الأول. تجمهر المشيعون عند مستشفى السلمانية منذ الصباح الباكر، الأمن أيضاً.
الأمن يقوم بضرب المتجمهرين بمسيلات الدموع والرصاص المطاطي. الجنازة تخرج من السلمانية إلى منطقة البلاد القديم ثم تنعطف يمين منطقة جدحفص وتنتهي عند مقبرة السنابس. لكن حدثاً آخر يجعلها لا تنتهي "كنا في الجنازة عندما سمعنا بسقوط القتيل الثاني" يقول أحد المشاركين. إنه فاضل المتروك (32 سنة) سقط أثناء خروجه للمشاركة في تشييع الأول. التجمهر يعود إلى مستشفى السلمانية في عدد أكبر. الغضب يتصاعد، الهتاف يحتد: "الشعب يريد إسقاط النظام".

ظهراً، يخرج الملك على شاشة التفزيون، يعرب عن أسفه للحدث الذي وقع: "على ضوء ما جرى من حوادث متفرقة يوم أمس واليوم وكانت هناك للأسف وفاة لاثنين من أبنائنا الأعزاء، وعليه نتقدم بتعازينا الحارة لذويهما وأن يلهمهم العلي القدير الصبر والسكينة والسلوان. كما ليعلم الجميع بأننا قد كلفنا سعادة الأخ جواد بن سالم العريض نائب رئيس مجلس الوزراء بتشكيل لجنة خاصة لمعرفة الأسباب التي أدت إلى تلك الأحداث المؤسفة التي جرت".

يتم تشييع المتروك بتاريخ 16 فبراير دون تدخل رجال الأمن، وذلك في اليوم الثاني من الوصول للدوار الذي كان خالياً أيضاً من رجال الأمن . وهذا ما أتاح لعشرات الآلاف أن تتوافد حاملة غضبها إلى دوار اللؤلؤة. في مساء 15فبراير بدأ نصب الخيم والتمهيد لاعتصام أعلن أنه يمتد حتى تحقيق المطالب.

خيمة الأطباء

الحضور الرسمي للأطباء بدأ من هنا. المقدمات السابقة، جعلت عدداً من الأطباء يتفقون على أهمية وجود خيمة طبية في مكان الاعتصام، تحسباً لأي طارئ أو حادث غير متوقع.
 
تم نصب خيمتين طبيتين، تم تجهيزهما بمواد أولية، الطبيب علي العكري تجري محاكمته الآن بتهمة سرقة مواد طبية للخيمة. لكن وثيقة تم تسريبها تقول غير ذلك، وفيها طلب رسمي قدمه عبد الحي العوضي رئيس بمجمع السلمانية الطبي، إلى وليد المانع الإداري التنفيذي، أن يوفر مواد وأجهزة صحية للعيادة في دوار اللؤلؤة، وذلك بناء على طلب من الدكتور علي العكري. هكذا تقول الوثيقة الرسمية التي نشرتها "مرآة البحرين" قبل أسابيع.

هناك أطباء، أحضروا معدات من عياداتهم الخاصة، ووضعوها في الخيمة "تركتها على أن أستعيدها بعد انتفاء الحاجة لها، لكنها ذهبت جميعها في الهجوم الأول على الدوار" يقول أحد الأطباء.

بدأ التنظيم لأوقات العمل على 3 فترات، على أن يكون هناك طبيب مناوب واحد في كل فترة. الوكيلان المساعدان مريم الجلاهمة وأمين الساعاتي، اقترحا إعطاء الأطباء المناوبين بدل مناوبة، سواء في الرعاية الصحية الأولية أو الثانوية. الأطباء رفضوا، اعتبروا أنهم يقومون بعمل تطوعي لخدمة المصابين "لم يكن هدفهم الخروج ضد النظام ولا أن يهتفوا ضده، هم ليسوا سياسيين، بل أطباء، يؤمنون أن إسعاف المصابين واجباً إنسانياً ومهنياً" يقول أحد الأطباء.

الأمور سارت على نحو هادئ فيما تبقى من يوم 15 فبراير، استمر كذلك طوال اليوم التالي، آلاف المعتصمين ينصبون خيماً جماعية يطالبون بالإصلاحات، مستشفى السلمانية غاب عن الحدث منذ ظهر الدوار، خيمتا الأطباء كانتا تمثلان الحضور الاحترازي هذه المرة.

فجر17فبراير الطويل

فجر 17 فبراير، كل من الطبيبين علي العكري وصادق العكري في مناوبتهما الليلية في خيمتي الأطباء مع بقية الطاقم الطبي. كان حدث آخر ينتظر الجميع. حدث لم يتوقعه أحد منهم ولم يتخيلوا وحشيته. هجوم مباغت من قوات الأمن عند الثالثة فجراً في هدوء الخيام والناس. الطبيبان تعرضا إلى هجوم مباشر، وشاهدا بأعينهما وحشيته مع وجود النساء والأطفال. اقتحم الأمن الخيمة التي يناوب فيها علي العكري. قال لهم: رجاءً لا تضربوا، جميعنا طاقم طبي أتينا فقط لحالات الطوارئ. تم القاء مسيلات الدموع داخل الخيمة. أخرج العكري معه عدد من الطاقم الطبي في سيارته وتوجهوا إلى مستشفى السلمانية.

صادق العكري كان في الخيمة  الأخرى، غادرها قبل أن يتذكر أن أحد أفراد الطاقم الطبي نائماً هناك. عاد ليطمئن عليه فداهمته قوات الأمن. لم يشفع له رداءه الأبيض وإخباره لهم أنه طبيب. تم ركله بالأحذية وضربه بالهراويات والأسلحة، فكانت إصابته التى نقل على إثرها إلى غرفة العمليات.

نداء الاستغاثة لسيارات الإسعاف أطلق مباشرة بعد وصول خبر ضرب الدوار، خرجت بين الساعة   3:30- 6:30 صباحاً فقط، اختفت بعدها.
المصابون لجأوا إلى مجمع السلمانية الطبي، اعتبروا الحرم الطبي مكاناً آمناً، الطاقم الطبي في حالة ذهول. لا أحد يعرف حجم المصابين وعددهم وإصاباتهم. الحالات والإصابات بدأت تتوافد إلى المستشفى في سيارات خاصة. بدأ التجمهر مرة أخرى. هذه المرة بغضب أكبر وهيجان أكبر وعدد أكبر. الحدث كان صادماً للجميع، قتيلان سقطا وعشرات الجرحى توافدوا  على المستشفى.

بعد الساعة الثامنة صباحاً، حدث ثوران شعبي عارم، أعداد غفيرة احتشدت عند المستشفى. المحتجون حاولوا العودة للدوار. قوات الأمن واجتهم بمسيلات الدموع والرصاص المطاطي والإنشطاري عن قرب، إلى الحد الذي تم فيه تفجير رأس ضحية ثالثة بتصويب مباشر، الحادث، شهدته الصحفية نزيهة سعيد ونقلته للإعلام، وفي شهادتها الشفهية لمرآة البحرين، أضافت أنها شاهدت كذلك فيما تظنه الشهيد على المؤمن وفق المواصفات التي قرأتها لاحقا عنه. إصابات مختلفة ومتفاوتة دخلت المستشفى، إحدى الحالات تعرضت لإصابة بالرصاص الإنشطاري في الرقبة، تم إنقاذها، بعد عمل الأشعة لها اتضح أن الرصاص الإنشطاري منتشر في كامل الرئة، لكنها نجت من الموت.

قوات الأمن تقدمت من جهة الدوار باتجاه مجمع السلمانية. وصلت مستشفى الطب النفسي، وهنا بدأ منع المسعفين من الوصول إلى الدوار، تم توقيف المسعفين وضربهم.
الأطباء في مفاجأة الحدث والتعامل مع الحالات التي تصل إليهم، وفي ترقب ما يصلهم من حالات جديدة. الطوارئ تحول إلى فوضى عارمة بسبب العدد الكبير من أهالي المصابين والمتجمهرين. الأطباء قالوا سنخرج مع سيارات الإسعاف لاحضار المصابين من الدوار، لكن سيارات الإسعاف اختفت فجأة. عندما سأل الأطباء عنها أخبرتهم الإدارة أنه بسبب التجمهر وعدم قدرتها على التحرك بسهولة، فقد تم سحب السيارات إلى مركز كانو الصحي. أطباء ذهبوا إلى مركز كانو الصحي ليخرجوا مع الإسعاف من هناك، لكنهم تفاجئوا أن الباب مقفل من الخارج . كانت الساعة لا تزال التاسعة صباحاً، الإصابات لا تزال تأتي السلمانية بسيارات مدنية.


الإسعاف الحائر

بين الساعة التاسعة والحادية عشرة، يبدأ استنفار الأطباء، كيف يمكن الوصول إلى الحالات التي لا تزال في الدوار، وسط الحصار الأمني الذي أغلق كل الطرق الموصلة إليه، وكيف يتأكد الأطباء أنه تم إخلاء الدوار من الجرحى والمصابين. الإسعاف ممنوع من الوصول إلى مكان الحدث والمسعفون تعرضوا للضرب وتم سحب سيارات الاسعاف منهم. مجموعة من الأطباء تذهب للالتقاء بوليد المانع ليتم السماح للإسعافات بالخروج. بعد الساعة11:30 يأتي الإذن بخروج الإسعافات من الوزير. منذ السادسة والنصف وحتى الحادية عشرة والنصف كان الإسعاف ممنوعاً من الوصول إلى الدوار "لا أحد يعرف سبب منعنا من الوصول إلى الدوار قبل هذا الوقت، لا تفسير له سوى أن الأمن كان لديه مهمة خاصة ينجزها هناك طوال الساعات الخمس هذه، وعندما انتهى من مهمته الخاصة، سمح للاسعاف والكادر الطبي بالوصول" تقول إحدى الطبيبات.

قبل الإذن للإسعافات بالخروج، كانت حالة أقرب إلى الثورة الغاضبة يعيشها الطاقم الطبي. عند بوابة قسم الطوارئ انقسم الأطباء إلى قسمين. فريق يقول بالخروج والتظاهر احتجاجاً على منع سيارات الإسعاف من الوصول للجرحى. هذا الفريق يضم علي العكري الذي كان شاهداً على وحشية الهجوم وما أصاب قريبه صادق العكري. الفريق الآخر يضم زميله نبيل تمام، ويرى أن يبقى الأطباء لمعالجة المصابين. خرجت المجموعة في مسيرتها الاحتجاجية بشكل عفوي وتحت تأثير الحدث الساخن الذي عايشه الكادر الطبي للمرة الأولى في تاريخ البحرين. المجموعة الثانية اجتمعت بعد أن أعطاها الوكيل أمين الساعاتي الضوء الأخضر، وتم الإعلان في أجهزة المناداة داخل السلمانية عن اجتماع للأطباء، حضره ما يقارب 50 طبيباً، الهدف هو التهدئة ومحاولة الوصول إلى حل مشكلة الفوضى التي كانت  قد سيطرت على المستشفى بالكامل.

في الاجتماع تم الاتصال برئيس  جمعية الأطباء أحمد جمال والنائب علي ابراهيم. بعدها يصدر بيان إدانة من الجمعية: "إن ما حدث هذا اليوم من استخدام للعنف المفرط والغير مبرر من قبل أجهزة الأمن والذي نتج عنه وفيات وإصابات بالغة بين جموع المواطنين المعتصمين سلميا بكفالة الدستور والأعراف الدولية لمهول وغير مقبول، كما أن منع الطواقم الطبية والمهنية من أداء واجبها في إسعاف المصابين ونقلهم إلى المستشفى أمر لا تقره الشرائع الدولية والإنسانية وعليه، فإن كل من جمعية الأطباء البحرينية وجمعية أطباء الفم والأسنان البحرينية، تدين وتستنكر هذا العنف غير المبرر تجاه المواطنين المسالمين والطواقم الطبية التي تقدم لهم الإسعافات اللازمة، والذي نتج عنه أيضاً إصابة عدد من أفراد الطواقم الطبية بجروح بليغة. ونطالب الدولة وعلى رأسها جلالة الملك للتدخل السريع لوقف هذه التصرفات والإجراءات الضارة بالمواطنين والوطن والحيلولة دون بث الفرقة والهلع في صفوف المجتمع الواحد والآمن. والله ولي التوفيق".

الحادية عشرة والنصف، يتزامن خروج الفريق الأول من الأطباء في المسيرة الاحتجاجية، مع اجتماع الفريق الثاني، مع بيان جمعية الأطباء، مع صدور قرار الوزير أخيراً بالسماح للإسعاف بالخروج. الأطباء قطعوا مسيرتهم وركبوا الإسعافات وتوجهو للدوار "لم نجد شيئاً هناك. لماذا إذاً تم منع الإسعاف من الوصول إلى الدوار طوال الساعات الخمس؟ قمنا بمسح المناطق القريبة من الدوار لعل مصاباً هنا أو هناك، لكن لم نعثر على أحد" تشرح إحدى الطبيبات.

هل سيقف هنا ما عايشه الأطباء من أحداث مرعبة؟ الجمعة 18 فبراير، كان حدثاً جديداً أكثر تعقيداً ينتظر الأطباء. نكمله في الجزء الثاني من هذا التقرير.


.....................................................

أمين الأسود: المسعف الذي كسر درع الجزيرة رقبته








مرآة البحرين (خاص): "ألو.. أحمد.. ألو، تسمعني، أين أنت، إنّها كارثة.. كارثة.. لا أصدّق ما أراه!". كان ذلك المسعف المُعتقل أمين جعفر الأسود (مواليد 1975)، متحدّثا إلى زميله في العمل، بعد الهجوم الأوّل على دوّار اللؤلؤة فجر يوم الخميس 17 فبراير. يومها، كان المصابون والجرحى يتدفّقون على مستشفى السّلمانيّة، وبحسب أصدقاء أمين من طواقم الإسعاف والممرضين؛ فقد كان كلّ إداريي المستشفى متواجدين، يشاركون في إسعاف الجرحى وتقديم الخدمات الطبية.

     ينقلُ أحد الممرضين الذين رافقوا أمين في عمليات الإسعاف الدّاخلية، بأنّ عددا من موظفي المستشفى أنكروا دورهم العلاجي عندما اجتاحت القوّات العسكريّة مستشفى السلمانية بعد الهجوم الثاني على الدّوار في 17 مارس، بعضهم خوفا من الإجراءات العقابية، وبعضهم تحوّلوا إلى معاونين للإدارة العسكرية للمستشفى، وثمّة منْ بادرَ بتقديم قوائم بأسماء الذين شاركوا في معالجة المتظاهرين الجرحى.

     تحاشى المسعف أمين الظّهور في الإعلام، وتمنّع عن ركوب المنصّة مع الأطباء والمسعفين حين اقتحم المتظاهرون الدّوار لأول مرّة، برغم إلحاح الدّكتور علي العكري. لم يكن أمين معروفاً باهتماماته السّياسية، وهو لم يتعرّض سابقا لأيّ إيقاف أمني أو ما شابه، وكان أصدقاؤه يمازحونه بأنّه كان "جبانا ويهرب من أحداث التوتر طوال فترة التسعينات"، وهي الحقبة التي تشكّل فيها الجيل الشّاب الذي ينتمي إليه أمين، وخلالها رأى أصدقاءه وأهله وجيرانه يؤخذون إلى المعتقلات. حياته العادية، وعلاقاته المحبوبة بين الجميع لم تنبئ يوما بأنه كان بانتظار مرحلة مختلفة من حياته.

     منذ الأيام الأولى لسقوط الجرحى قرّر أمين اتخاذ طريقه المعروف. تفاجأ كثيرون للتحوّل الذي طرأ على حياته. حدث صراع مرير بينه وبين أهله الذين خافوا عليه، ورأوه يعطي كلّ ما لديه لأجل عمله ناسياً راحته وسلامته. كان يقول لهم: "إنّ عملي مسعفا هو جزء من حياتي، لن أتخلى على هذه المسئولية الإنسانية، مهما حصل لي". إضافة إلى دوامه الرسمي، يقضي أمين أكثر من 8 ساعات إضافية في علاج المصابين ومتابعة الحالات الوافدة إلى المستشفى وفي خيمة الإسعاف بدوّار اللؤلؤة. لم يكن يتقاضى أجرا إضافيا على عمله، ولم يطلب ذلك، وقد تأثر مشروعه الخاص (المطعم) بسبب انشغاله الدّائم في الاسعافات، واضطر إلى ترْك إدارته إلى شقيقه.

     يختصر أحد أقرباء أمين قصّته بالقول إن "أمينا كان في زيّه الرّسمي طوال الوقت. لم أره إلا نادرا بلباسه العادي". كان حاضرا في الإسعاف في كلّ المسيرات الاحتجاجية التي شهدتها البحرين في شهري فبراير ومارس، وحين كان يتردّد بعض زملائه في الذّهاب؛ كان يتقدّم ويتطوّع. يقول أحد زملائه: "كان موجودا بالإسعاف في مسيرة عالي المتوجّهة للدّيوان الملكي، ومسيرة قصر الصافرية، وأحداث المرفأ المالي. كان حاضرا بزيّه الرسمي، ويؤدي عمله بروح مليئة بالتفاني، والجميع لا يُخفي اندهاشه وهو يشاهده في نشاط مستمر ودون توقف".

     يستحضر زميل آخر مشهد أمين وهو ينقل المصابين - بعد انتهاء مسيرة الدّيوان - من أطراف المنطقة إلى المركز الصّحي في عالي. كان في حركة دائمة بين النقطتين لساعات متواصلة، "كان ينقذ المصابين، وهو يبكي بصمت. دموعه كانت في انهمار مؤثر".

      المشاهد المروّعة التي يراها أمين كلّ يوم لا تغادره في كلّ الأوقات. ينقلُ أهله أنه كان دائم الشّرود حينما يعود من عمله الطّويل. أحيانا، يردّد مع نفسه كلمات تنمّ عن الاندهاش والحيرة و"كيف يمكن أن يحدث كلّ ذلك؟ هل كان حلما أم حقيقة؟".

معركة سترة

     يوم إعلان قانون الطّوارئ ودخول قوات درع الجزيرة البحرين، وقبل يوم من الهجوم الثاني على الدّوار؛ وصلت مستشفى السلمانية استغاثاتٌ من منطقة سترة التي اجتاحتها القوات ظهرا. كانت الأجواء مشحونة بالرّعب. انتشر الجيش السّعودي في المنطقة، مدعوما بقوات عسكرية متعددة وميليشا مدنية. الأنباء الواردة من هناك تحدّثت عن ضحايا ومجازر يتم ارتكابها في الشّوارع. الهجوم على مركز سترة الصحي، وصورة الشهيد أحمد فرحان؛ أعطت توضيحا كافيا لما كان يجري هناك.

     لم يتردّد أمين في أداء عمله والاستجابة للاستغاثات. جهّزَ الإسعاف مع السّائق، وتطوّع معه ممرض وطبيب (الدكتورة حنين البوسطة، ابنة المناضل اليساري أحمد البوسطة) للمرافقة. كان الوصول إلى منطقة سترة أمرا محفوفا بالمخاطر، فالموت ينتشر في الهواء. يقول أمين وهو يصف تلك اللّحظة "تذكرتُ كلام الدكتور علي العكري عندما كان يتحدث عن أجواء غزة حين زارها. دخلنا سترة، وكانت منطقة حرب حقيقية".

     عندما وصلت سيارةُ الإسعاف منطقة سترة، توجّهت إليها القواتُ العسكرية وقامت بملاحقتها وإيقافها. في البدء، تمّ تخريب إطارات الإسعاف لمنعه من التحرّك تماما. ثم أنزلوا الطاقم الطبي وانهالوا عليهم بضرب جنوني وكأنهم كانوا ينوون "قتلنا، فالأسلحة كانت فوق رؤوسنا كلّ الوقت"، يروي أمين. تعرّضت الدكتورة حنين لاعتداءات لفظية بذيئة، وهدّدوها بالاعتداء الجنسي. ولأنه مسعف ومسؤول عن سيارة الإسعاف؛ فقد نال أمينا الحجم الأكبر من الضّرب والاعتداء، وتعرّض نتيجة ذلك لكسر ثابت في فقرة الرقبة الثانية – وهي من الناحية الطبية إصابة محظوظة، وكان يمكن أن تتسبّب له بالشّلل – وبعد تقييد الجميع بقيد بلاستيكي من الخلف، تركتهم القوات على الأرض وأخلت المكان الذي كان يعج بأصوات الشباب وهتافاتهم الاحتجاجية.

     بعد ذلك، تقدّمت نحوهم مجموعة من شباب سترة، وقاموا بإنقاذهم في عملية وصفها شاهد عيان بأنها "تُشبه عمليه إخلاء الجرحى من ميادين القتال". تم توفير سيارة خاصة لنقل أمين والطاقم، ووفّر الشباب طرقا آمنة للانتقال بهم إلى بيت أحد الأهالي.

     تفاجأ الطاقم بما رأواه في البيت. لقد أصبحوا محاطين بمجموعات متفرّقة من الجرحى والمصابين الذين أتوا بمهمة معالجتهم. يقول شاهد عيان "كان المنظر غير محتمل. المتظاهرون الجرحى في كل مكان. أحدهم مُصاب بطلقة شوزن في عينه والدّماء تتفجّر منها، وبجانبهم الطاقم الطبي مُصاب وغير قادر على فعْل شيء، والمسعف أمين مُلقى على الأرض والجراح تسبح في كل مكان من جسمه، ووضْعه يقترب من الخطر". يضيف "كانت الطبيبة في ذهول تام، كانت تقول بأن نبض أمين بدأ بالهبوط، وأنها تخاف على حياته. كانت تحاول أن تفعل شيئا، ولكن لا أجهزة طبية، والجرحى الآخرون حولها يملأون المكان بالدّماء وأنّات الألم".

     رغم خطورة الأوضاع، تمكّن شباب سترة مرة أخرى من تأمين سيارة خاصة لإخراج الطاقم الطبي من المنطقة. سلكت السيارة طرقا التفافية، واستطاعت تجاوز القوات المنتشرة في كلّ مكان، ووصلت إلى مستشفى السلمانية. فور وصوله، احتشد الزّملاء حول الطاقم الذي انقطعت الاتصالات عنه تماما، وتم إدخال أمين إلى غرفة الإنعاش بعد عرْضه على الأشعة المقطعيّة. أمر الطبيب المُعالج بوضع "طوق رقبي" لأمين، ولمدة ستة أسابيع. بعد معالجته من آثار الرضوض بالمسكنات، أُدخل في غرفة خاصة بجناح (42).

     ينقل زملاؤه أنّ أمينا بقي محافظا على معنوياته العالية، وكان يُبدي أسفه لأنه ما عاد قادرا على أداء دوره في الإسعاف بسبب الإصابة التي تعرّض لها. كان يسأل عن الأخبار، ويستفسر عن جهوزية المسعفين واستعدادهم لعلاج المصابين الذين رآهم في كل زوايا المستشفى.

الهروب من المستشفى

   في اليوم التالي، 17 مارس 2011، بدأت القوات والجيش السعودي بمحاصرة مستشفى السلمانية، وتمت السيطرة عليه كليه وفرْض الحصار عليه. وصدرت أوامر بخروج الموظفين ومغادرتهم المستشفى.

     يصف أحد الممرضين المُحاصرين الوضعَ بأنه "لا يُوصف بالكلمات. بعد يومين من الحصار نفذ الطعام. لم نكن نملك الملابس والمؤن الضرورية". يضيف "فوجئنا بما حدث. لم نكن نتوقّع أن تتم محاصرة المستشفى وتتعرّض الطواقم الطبية والمصابين لهذا الهجوم الشرس. دكتور مصري تعرّض لضرب عشوائي رأيته يجهش بالبكاء، وهو يهمس (أنا طبيب ويعلمون معي هذا؟!). داخل المستشفى كان الجنود المقنّعون في كلّ مكان، وكنا نرى أسلحة من كلّ الأنواع. أُغلقت كلّ بوابات المستشفى، ما عدا بوابة الطوارئ. في مواقف المستشفى، شاهدتُ ما لا يقلّ عن مئة سيارة تمّ الاعتداء عليها عمدا بالتكسير والتخريب. في داخل المستشفى كانت توجد ثلاث نقاط تفتيش، وفي خارجها أربع نقاط أخرى. كان التفتيش شخصياً ومُهينا بكلّ معنى الكلمة. كانوا يطلبون البطاقة الشخصية، ويتم تسجيل وقت الخروج، ويحمل كلّ جندي قائمة أسماء يتم مطابقتها مع طوابير الخارجين".

     بعد يومين من الهجوم، تمكّن المسعف أمين من الخروج بأعجوبة من المستشفى. كان الأطباء الذين تعاونوا مع الإدارة العسكرية يمتنعون عن إعطاء تراخيص المغادرة للجرحى والمصابين، وكان بعضهم يحضر في الاجتماعات الدائمة التي يعقدها العسكريون داخل المستشفى لاستلام الأوامر والتعليمات بهذ الخصوص.
     برغم حالته غير المستقرّة، إلا أن المسعف أمين قرّر مغادرة المستشفى بدون انتظار طلب الخروج الرسمي. تبيّن له أن الجيش الذي سيطر على المستشفى ينوي معاقبة كل الذين شاركوا في إسعاف المتظاهرين ومعالجتهم، ولم تكن الإدارة الجديدة تهتم بالوضع الصحي لأحد.

     بعد أيام من خروجه، حضرت قوّة أمنيّة إلى بيته في منطقة إسكان عالي، وعندما لم يجدوه هناك، طلبوا من والدته أن تُخبره بضرورة تسليم نفسه. مضت ساعات وقاموا بالاتصال به على هاتفه، وأمروه بتسليم نفسه حالا. كان أهله قلقين من الأمر، فهو مصاب، وحالته حرجة، وبحاجة إلى رعاية خاصة. لكنه توجّه إلى مبنى التحقيقات.
     ومنذ اعتقاله أواخر مارس الماضي وأخباره مقطوعة. لم تنفع الاتصالات اليومية التي تقوم بها زوجته وأخته للاستفسار عنه، ولكنهم لم يستطيعوا الحصول على معلومات مفيدة، أو الاتصال به. كانوا يخبرونهم أنّ "أبو رقبة" – وهي الصّفة التي يُعرَف بها أمين داخل الجهاز الأمني بسبب إصابته والطوق المحاط برقبته – بخير، ولا يعاني من مشاكل صحية.

     في الفترة الأخيرة، تأكّد أن المسعف أمين يوجد في سجن الحوض الجاف. المعتقلون الذين أُفرج عنهم من هناك يقولون بأنّه بخير، ولكن من غير تفاصيل. لم يظهر لأهله إلا حين أُحيل إلى المحاكمة ضمن مجموعة من الأطباء والممرضين والمسعفين.

     كان أمين ينام أكثر أوقاته داخل سيارة الاسعاف، وقد انقطع عن ممارسة لعبة "السنوكر"؛ هوايته المفضلة منذ اندلاع الأحداث، و"أعطى كلّ وقته وجهده وحياته للمهنة التي أحبّها". يقول لكل منْ حوله بأنه "غير نادم لحظة واحدة عن أداء واجبه الإنساني". زوجته فاطمة وولداه حسين ومحمّد ينتظراته بفارغ الشّوق والألم، ولكنهم فخورون به.   




شوكة الأطباء - الحلقة الثانية 




مرآة البحرين (خاص): "هل انتهى صبح 17 فبراير؟ كم كان طويلاً وكارثياً، ظننا أنه لن ينتهي لفرط الأحداث المرعبة التي عشناها فيه" أحد أفراد الكادر الطبي.
الهجوم المباغت لقوات الأمن على الآمنين في دوار اللؤلؤة هزّ الجميع. لم يجد حتى الموالين للسلطة تبريراً، يجعل فعل السلطة منطقياً أو مقبولاً.

الرواية الرسمية التي عرضتها الداخلية في تلفزيون البحرين، بعد صمت رسمي تجاوز 12 ساعة، لم تنفع في اللعب على مشاعر الرأي العام العالمي. تعمد الحكومة في روايتها  إظهار مقاطع دموية بشعة لمن قيل إنهم ضحايا من رجال الأمن الذين تمّ الاشتباك معهم من قبل المعتصمين. الرأي العام العالمي، وجدها محاولة هشة لتبرير الهجوم الذي هز مشاعر العالم.

"أدركنا منذ شاهدنا الرواية الرسمية التي عرضها تلفزيون البحرين، أن الساعات التي منعت فيها الكوادر الطبية من الوصول إلى الدوار بين السادسة والنصف والحادية عشرة والنصف صباحاً، هي الوقت التي نفذت فيه مشاهد هذه الرواية، بالتعاون بين الداخلية وتلفزيون البحرين، فعندما وصلنا الدوار بعد ساعات المنع، كان كل شيء قد جرى مسح أثره بنحو غريب، وكانوا يقولون لنا بسخرية: هل رأيتم؟ لا يوجد شيء كل ما سمعتموه مجرد تهويل".

أخرى من أفراد الطاقم الطبي الذين وصلوا الدوار بعد السماح للإسعافات بالتحرك تقول: "وصلنا في عدد من سيارات الإسعاف، كان رجال مكافحة الشغب يتعمدون الطرق على الإسعاف بقطع حديدية بينما السيارة تسير  من أجل إخافتنا، يقومون بإيقافنا بين مسافة وأخرى، يفتحون سيارة الإسعاف ويفتشون داخلها، يسألونا باستهزاء: أين المصابون؟ وكانو يحققون في هوياتنا بطريقة يتعمدون فيها إذلالنا".

صدمة الجيش

الصدمة الأخرى التي لم يستوعبها الشارع في ذلك اليوم، كانت نزول قوات الجيش إلى الشارع. القيادة العامة لقوة دفاع البحرين أصدرت بياناً أسمته "رقم 1" أعلنت فيه انتشار قوات عسكرية في محافظة العاصمة "بدواعي اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على أمن المواطنين والمقيمين وسلامتهم" وشددت "على اتخاذ كافة التدابير الصارمة والرادعة لبسط الأمن والنظام العام".

تستنكر إحدى الطبيبات: "للمرة الأولى نشاهد مدرعات الجيش تجوب شوارع البحرين، الهدف لم يكن محاربة عدو خارجي، بل معتصمين عزل نائمين في الدوار"مالم يفهمه أحد حينها، لماذا الجيش؟ ولماذ الهجوم الوحشي المباغت بعد أقل من 48 ساعة من إعلان الملك أسفه لسقوط قتلى،وإعلان يوم حداد رسمي، وتشكيل لجنة تحقيق؟
الصدمة فاقت استيعاب الجميع، كانوا في ذهول الحدث: سياسيون، حقوقيون، مهنيون، معلمون، إعلاميون، مثقفون، مؤسسات مجتمع مدني، لكن الطاقم الطبي في ذهول مضاعف، بالإضافة إلى صدمة الحدث، فهم في الحالات التي تفد إليهم، يعايشون صرخات الآلام التي تخرج من حناجر المصابين "وجد الأطباء أنفسهم أكثر من غيرهم في قلب الحدث، وجودهم في الحدث بهذه الكثافة كان أمراً طبيعياً لاتصاله بدورهم المهني، فكيف بالجانب الإنساني" يقول أحد المراقبين.

مستشفى السلمانية التي غادرها الحدث بعد ظهر 15 فبراير، عادت لتصبح في واجتهه من جديد في 17 فبراير، باحة الطوارئ تحولت إلى ساحة هيجان شعبي، إدارة المستشفى لم تكن قادرة على السيطرة على الجماهير الغاضبة المتجمهرة هناك.

اليوم الطويل انتهى بسقوط 4 ضحايا، سقط محمود أحمد مكي (23 عاماً)، وعلي منصور خضير (53 عاماً) بقذائف انشطارية االشوزنب. وسقط عيسى عبدالحسن (60 عاماً) بطلق رصاص انشطاري قريب ومباشر أدى إلى انفجار في جمجمة الرأس (وهو الحادث الشهير الذي رأته وروته الصحافية نزيهة سعيد). والشاب علي المؤمن (22 عاماً) سقط بقذيفة انشطارية في الفخد عند الحوض تسببت في تهتك الأوعية الدموية، لم تفلح محاولة الطبيب الاستشاري  صادق عبدالله لإنقاذه، ولم يسعفه الـ 30 كيساً من الدم لاستعادة نضبه.

أيضاً، انتهى اليوم بعشرات الجرحى من الرجال والنساء والشباب والأطفال، اختلفت إصابتهم بين المتوسطة والخطيرة، منهم 3 حالات لمسعفين تم إخراجهم لاحقاً.

مسيرة الأطباء




صباح الجمعة 18 فبراير، كان مجمع السلمانية الطبي شاهداً على تسليم جثثالضحايا الأربع. الأهالي المفجوعون يأتون لاستلام جثث أبنائهم ويغادرون نحو التشييع.
عدد من الأطباء يجتمعون في بيت أحدهم، الهدف تنظيم اعتصامفي موقف سيارات السلمانية عصراً، وإصدار بيان باسم منتسبي الحقل الصحي. البيان تنديد لتعرض الكوادر الطبية للاعتداء من قبل رجال الأمن أثناء ممارسة دورهم الإنساني، والمطالبة بمحاسبة وإسقاط وزير الصحة فيصل الحمر والطاقم الإداري التابع له على خلفية هذا الموضوع.

عصراً، ينفذ الاعتصام، العدد يتجاوز2000 مشارك من منتسبي وزارة الصحة، حسب قول أحد المشاركين. العدد الكبير من المشاركين والحماس الشديد الذي كان مسيطراً عليهم، يحول الاعتصام إلى مسيرة. ثلاث دورات في موقف السيارات الخاص بطوارئ السلمانية وينتهي الاعتصام ويقرأ البيان الختامي. لكن الأمر لا ينتهي هنا أيضاً.

الدكتور علي العكري يطلب من أفراد الطاقم الطبي العودة إلى مواقعهم دون أن يُعطي تفاصيل أخرى. تتذكر إحدى الطبيبات "بينما كنا في دورتنا الأخيرة في المسيرة الاحتجاجية في باحة طوارئ مجمع السلمانية، سمعنا صوت طلقات نارية تأتي من بعيد". ما الذي يحدث؟

صدور ومدرعات

في هذه الأثناء التي كانت مسيرة الأطباء توشك تنهي بيانها، على الجنبة الأخرى القريبة من المستشفى، مسرح حدث جديد، كانت منطقة الديه القريبة من (دوار اللؤلؤة)، وغير البعيدة عن مستشفى السلمانية، تشهد ختام مجلس عزاء علي مشيمع (21 عاماً)، الضحية الأولى لأحداث 14فبراير. المعزون خرجوا في مسيرة عزاء ضمت الآلاف، اتجهت نحو الدوار المحاصر بقوات الأمن والجيش. عدد من الشباب يحملون أعلام البحرين، يتحركون قريباً من المدرعات العسكرية. يقفون على مسافة 100 متر منها، يلوحون بأيدً عزلاء إلا من إعلام ترفرف على صدورهم العارية. لم تمض غير دقائق، حتى كان المشهد الذي رآه العالم مصوراً بالفيديو، سيل لا يتوقف من الرصاص الحي المباشر، والغازات المسيلة للدموع، ينكشف الدخان عن عدد من الشباب مضرجين على الأرض في بركة من دمائهم.

الطلقات سمعها الكادر الطبي الذي كان معتصماً في باحة مجمع السلمانية، عدد من الكادر الطبي خاف وغادر، الباقون دخلوا فوراً استعداداً لتقديم المساعدة للإصابات التي بدأ الإسعاف بنقلها، بدأ استنفار طبي آخر.

الشباب المشاركون في مسيرة العزاء، أخذوا في التدافع إلى مستشفى السلمانية يحملون المصابين في سياراتهم، أحد الشهود يقول: "كنت هناك عندما شاهدت عشرات الشباب يتوافدون إلى المستشفى في حالة من الرعب والذهول، وينظمون المرور لتسهيل مرور سيارات الإسعاف عند مدخل السلمانية. استفهمت، فأخبروني أن رصاصاً حياً أطلق على المعزين الخارجين من عزاء الشهيد مشيمع نحو دوار اللؤلؤة، وأن هناك عددا كبيرا من الإصابات ملقاة على الأرض في الطريق".
شاهدة أخرى تقول "كان عدد من الشباب يخرجون من بوابة الطوارئ يحملون أسرة لنقل المصابين من السيارات الخاصة التي أحضرتهم".

رصاصة عبدالرضا

الغريب، أنه في الوقت الذي كانت برك الدم تسيل في الشارع المؤدي للدوار، كان ولي العهد يفاجئ الجميع بزيارة غير متوقعة لتلفزيون البحرين، وجّه خطاباً وَجِلاً ومرتجلاً للجميع: "أقدم التعازي لكل شعب البحرين على هذه الأيام الأليمة التي نعيشها، وأريد أن أوجه رسالة للجميع للتهدئة، نحتاج فترة أن نقيم ما صار ونلم الشمل ونستعيد إنسانيتنا وحضارتنا ومستقبلنا. نحن اليوم على مفترق طريق، أبناء يخرجون وهم يعتقدون أن ليس لهم مستقبل في البلد، وآخرون يخرجون من محبة ومن حرص على مكتسبات الوطن، لكن هذا الوطن للجميع ليس لفئة على فئة، لا هو للسنة ولا هو للشيعة هو للبحرين وللبحرينيين، وفي هذه اللحظات يجب من كل إنسان مخلص أن يقول كفاية ما خسرناه في هذه الأيام، صعب استعادته، لكن أنا مقتنع بعمل المخلصين".

في السلمانية، لم يكن ثمة مكان للهدوء أو التهدئة، لم يكن غير فوضى عارمة وهيجان ناقم. مشهد الرصاص والدم يأتي محمولاً على أسرة تشي بالموت وآلاف تحتشد في حالة هستيرية تصرخ بسقوط النظام. المذياع الداخلي لمستشفى السلمانية يعلن استدعاء جميع الاطباء إلى غرف العمليات والطواريء "كان الوضع أشد كارثية هذه المرة، نحن أمام رصاص حي، لم نصدق أن الأمر يمكن أن يصل إلى هذا الحد، كانت تجربة مرعبة لم نتعامل معها من قبل، ولا ندري ما إذا كنا قادرين على التعامل مع هذه الحالات أم لا" يقول أحد أفراد الطاقم الطبي. 


صورة من الأشعة للشهيد عبدالرضا بوحميد... رصاصة قاتلة

الحالة الأشد صعوبة هي حالة عبدالرضا بوحميد (38 عاماً)، أصيب رصاصة حية في الجمجمة، الاستشاري نبيل حميد يحاول إنقاذه، عملية جراحية تستمر ثلاث ساعات، دون أن تتمكن من إخراج الرصاصة من رأس عبد الرضا. الاستشارية نهاد الشيراوي تعمل على متابعة حالته. يبقى فيما يشبه الموت السريري ليومين، قبل أن يفارق الحياة في 21 فبراير، وقبل أن تنهار الشيراوي باكية أمام عدسات التصوير، ولتدفع بعدها، في المحاكم العسكرية، ثمن هذا البكاء من أجل حياة إنسان.
عدد كبير آخر من الإصابات بلغت 96 إصابة، بعضها إصابات بالرصاص الحي. 6 منها أدخلت غرفة العمليات حسب ما أعلنت مصادر طبية حينها.

"تفاجئنا من الحالات التي كانت تصلنا. رصاص في أماكن قاتلة في الصدر والرأس. ضربات مباشرة باستخدام الرصاص المطاطي والانشطاري، تتعمد إصابة مناطق حيوية مثل العين والصدر، ستون حالة منذ بداية الأحداث حتى الآن، إصابات فقد فيها البعض  عينيه أو عين واحدة" تقول أخرى.
الأطباء انتشروا في أرجاء المستشفى، هناك من يعالج إصابات مسيلات الدموع، وآخر في غرفة الإنعاش، وثالث في العمليات.

الاستشاري باسم ضيف يعمل على 3 حالات، اثنتين إصابات في عظام الفخذ، والثالثة إصابة بليغة في الكاحل. يشاهده الطاقم الطبي متأثرا كثيراً، يبكى، يسأله طاقم العمليات: لأول مرة نراك تبكي، يجيب: لم يقدر لي من قبل  أن أرى هذا القدر من العنف في البحرين.

الاستشارية بدرية توراني تعالج حالة رصاصة موجودة في أعلى الفخد قريباً من الحوض، يساعدها الطبيب باسم ميرزا، تلتقط أشعة للرصاصة. كان وفد من الإعلاميين وصلوا المستشفى، طلبوا معاينة الحالات في غرفة الإنعاش. باسم ضيف يريهم الأشعة التي تثبت وجود الرصاصة التي تم إخراجها. لكنه يوضح " لست أنا من عملت على هذه الحالة". الإعلاميون يطلبون الرصاصة من أجل تصويرها. يتم إخبارهم أنها وضعت في كيس وتم التحفظ عليها، لكن أين ذهبت؟ ليس هناك تأكيد بخصوص الرصاصة، البعض يقول "أعطوها منظمة حقوق الإنسان بعد وضعها في كيس".

الوزير يكذب

في باحة الطوارئ، الآلاف يتجمهرون حتى وقت متأخر من الليل، يرددون هتافات الغضب. شبكات التواصل الاجتماعي تنقل مقاطع فيديو تظهر آلاف المتجمهرين الغاضبين يطالبون بإسقاط النظام. كذلك تفعل وسائل الإعلام العالمية التي كانت حاضرة وشاهدة على الحدث، وقد بدأت تبث المشاهد عبر قنواتها. وزارة الصحة متمثلة في وزيرها فيصل الحمر وإدارة السلمانية يقفون مكتوفي الأيدي، كل شيء خارج عن السيطرة.

لم ينقل الوزير فيصل الحمر هذا الوضع، عبر لقائه في تلفزيون البحرين في المساء ذاته، بل قال أن الوضع في مجمع السلمانية الطبي مستقر، وأن عدد من يحتاجون إلى الرعاية الصحية أصبح أقل، وأنه بعد التدقيق في نوعية وأعداد الإصابات الموجودة اتضح أن هناك سبعة مصابين بإصابات طفيفة، يجري التعامل معها الآن بطريقة طبية صحيحة لرعايتهم، وسيغادرون المستشفى في وقت قريب، وأن هناك بعض المواطنين موجودون في الساحة الخارجية لمجمع السلمانية الطبي، وهم أهالي بعض المصابين المتواجدين داخل المستشفى، مؤكداً أن الأمن مستتب وأن الوضع هادئ.

 

هذا التصريح أغضب الأطباء، ووجدوه  غير كفء ليحمل أمانة المهنة وشرفها الإنساني. قرروا أن يصدوا بياناً عن جمعية الأطباء البحرينية وجمعية أطباء الفم والأسنان البحرينية، يدين استخدام العنف المفرط ضد المواطنين المتظاهرين سلمياً، ويستنكر "تصريح وزير الصحة عبر وسائل الإعلام بالأمس في حصر عدد حالات الإصابة بسبع حالات فقط ووصفه بأنها حالات طفيفة وهذا مغاير للواقع حيث إن عدد الجرحى ليوم أمس فقط فاق المائة بينهم سبع حالات بإصابات بليغة منهم حالة إصابة خطرة بالرأس والدماغ وحالة إصابة خطرة بالصدر والحالات ناتجة عن رصاص حي و شوزن وضرب قاسي بالهراوات وليس كما وصف الوزير. ونأمل أن تكون تصريحات وزارة الصحة دقيقة دون لبس"، طالبوا باستقالة وزير الصحة.

ظهر السبت 19 فبراير. يأمر ولي العهد سلمان بن حمد ال خليفة بسحب جميع القوات العسكرية من شوارع البحرين وذلك بأثر فوري. تنسحب القوات المحاصرة للدوار. تعود الجماهير لتجدد اعتصامها هناك مرة أخرى، وهنا تبدأ مرحلة ثالثة من المراحل التي عايشها الأطباء. نكملها في الحلقة التالية.



...............................................

جناح 63 .. غموض العسكر والموت




جناح63: الداخل اليه مفقود، والخارج منه مولود!




مرآة البحرين (خاص): بعد ١٦ مارس تحول جناح ٦٣ بالطابق السادس بمستشفى السلمانية إلى مكان يلفه الغموض والرعب. قيل إن عن عدداً من الجرحى والموتى سريرياً احتجزوا فيه منذ أحداث فبراير الماضي، وذلك بعد سيطرة قوى الأمن على المستشفى، وأنه قد تم نقلهم إليه من المستشفيات والمراكز الصحية المختلفة. وقيل أن الجرحى المحتجزين فيه يتعرضون للتعذيب والتنكيل، وفي ساعات الليل خصوصاً. صار جناح ٦٣ مكاناً ممنوعاً من زيارات الأهالي، ومحلاً لزيارات العساكر. لا أحد يعرف ما يدور داخل هذا الجناح وكم عدد المرضى المحتجزين فيه وما حالاتهم ولا شيئ عن سجلاتهم التي اختفت. خاصة مع وجود عدد من حالات الإختفاء مجهولة المصير منذ بداية الأحداث. الداخل في هذا الجناح مفقود ومغيب عن الخارج. والخارج منه إما للمعتقل وإما للقبر.



• الحاج أبو دريس..
الحاج الستيني سلمان أبو إدريس، أحد الذين أُدخلوا جناح ٦٣ بمستشفى السلمانية، لتنقطع بعدها أخباره عن أهله، ولا يغادره إلا إلى القبر. ما حكايته؟
تفاصيل غامضة ترتبط بوفاة المواطن سلمان أبو إدريس فجر يوم الجمعة الموافق 3 يونيو الجاري. تاركاً زوجته الممرضة وبنات ثلاث وولدين. وزارة الداخلية ومصدر مسئول بوزارة الصحة، أعلنوا بأن وفاة أبوإدريس فجر كانت طبيعية.  وأشاروا إلى أنه قد قام  بزيارة لمركز النعيم الصحي بتاريخ 16 مارس، حيث أتضح أنه يعاني من ألم في البطن وارتفاع في السكر مما تطلب تحويله إلى مستشفى السلمانية بواسطة سيارةإسعاف، وتم إدخاله إلى المستشفى منذ ذلك الوقت وحتى تاريخ الوفاة بسكتة قلبية.
 هذا ما أوردته الرواية الرسمية، لكن رواية أخرى تروى عن طريق مقربين، بأنه كان في سيارته حين تم توقيفه من قبل المخابرات والأمن فجر يوم١٦ مارس ٢٠١١  في منطقة سكنه بالقفول، ثم بدؤوا يستجوبونه، قبل أن يتم إنزاله من السيارة وأخذ هاتفه ومحفظته وسيارته. قاموا بعدها بضربه بوحشية بأرجلهم واسلحتهم، ثم حمله في جيب شرطة والقائه في منطقة دوار اللولؤة.


 
تشييع الشهيد سلمان أبو ادريس
وحسب ما يروي بعض المقربين أنه تم نقله إلى مركز النعيم من قبل مجموعة من الشباب، وأنه تحدث إلى أهله عن طريق الهاتف وأخبرهم بما تعرض له. وأن نزيفاً داخلياً في المثانة قد أصابه جراء ما تعرض له من ضرب بالإضافة إلى انفجار الطحال وتضرر في الرئة. تم نقله على إثرها لمستشفى السلمانية ( قسم العناية المركزة). وهناك أجريت له عمليات لوقف النزيف الداخلى، ووضعت عليه أجهزة التنفس، وأصبح تحت التخدير شهرين كاملين. وطوال هذه المدة لم يستطع أبودريس التنفس من دون هذه الأجهزة. قوات الأمن لم تسمح لأهله بزيارته طوال هذه المدة.

بعد شهرين تمكن أبودريس من التنفس طبيعيا. نقل إلى جناح ٦٣. ومنع من الالتقاء بأهله الذين يأتون للسؤال عنه وكان يجيبهم البعض باستهزاء أنه سيخرج منه للمعتقل. لا أحد يعرف شيئ عما تعرض له أبودريس في هذا المكان. لكن بعد وفاته وأثناء تغسيل جثمانه للدفن، وجدت آثار ضربات في جسده، واحمرار شديد حول رقبته مايشي بتعرضه للخنق.

إحدى قريبات الحاج تقول: "لم نكن نعلم بوفاته، لم يتم إخبارنا من قِبل المستشفى، الخبر سمعناه عبر الانترنت، سربه أحدهم، بعدها مُنعنا من التجمع هناك للتأكد من صحة الخبر، ولم يسمح سوى لواحد فقط بالدخول"، وتضيف "تم تهديد أقاربه من أية هتافات تطلق ومنعوا من الخروج من باب المأتم في يوم كسر الفاتحة".

يذكر أن أبو إدريس تعرض للاعتداء اثناء مرور سيارته بمنطقة القفول من قبل قوات النظام ومن ثم رموه في الدوار إلى أن نقل إلى مستشفى السلمانية، ومصادر أخرى تفيد بأنه تعرض لضرب وحشي أصيب إثره بكسر في الجمجمة نتيجة طلق مطاطي من ثم نقل إلى العناية الفائقة بمستشفى السلمانية ولم تجد محاولات ذويه للاستدلال عن مكان تواجده والإطمئنان عليه لغاية استلامهم جثته؛ بينما تؤكد بأن الحاج سلمان كان من ضمن ثمانية أشخاص أصيبوا بإصابات حرجة جراء اعتداء قوات درع الجزيرة وقد نقلوا إلى جهة مجهولة إلى أن ورد نبأ استشهاد الحاج بو إدريس في الوقت الذي يُجهل فيه مصير بقية المختطفين.




•    الشاب حميد..
الشاب حميد ربيع.. هل تم إخفاؤه في جناح ٦٣ أيضاً؟
حميدربيع شاب عشريني كان في تاريخ 15 مارس يحاول ان ينقذ احد المصابين من كبارالسن، سقط في هجوم قوات الامن (بثياب مدنية) على منطقة النويدرات. لكن لم يرق ذلك لرجل الأمن فأطلق عدة زخات من رصاص الشوزن على حميد. اصيب بعشرات الشظايا. توزعت على مناطق في رقبته الى اسفل ظهره. نقل الى مستشفى كانو الصحي لقربه من النويدرات، إلا أن المستشفى لم يكن مجهزاً لاستقبال هذا الكم الكبير من الجرحى، فتم تحويله بالاسعاف الى مستشفى السلمانية. وعلى الرغم من الألم الكبير الذي انتابه في الاصابة، إلا انه كان واعياً ويتحدث ولم يغمى عليه، كان هذا حد علم اهله بتاريخ يوم الاصابة عندما زاروه في المستشفى.




حميد الى جناح 63... الداخل اليه مفقود!
اختفى حميد يوم الهجوم على مستشفى السلمانية في عملية اطلق عليها (تطهير السلمانية). لم يعرف عنه شيء، لا وجود له لا في مستشفى العسكري ولا في سجلات السلمانية ولا في مراكز الشرطة. ابوه الهرم يجهد نفسه في البحث عنه، ولكن دونما فائدة. هل هو مخفي في جناح الرعب ٦٣ ؟ لا أحد متأكد. لا أحد يعرف.

في بداية يونيو تلقى أهله اتصالا من بعض الحقوقيين أنه موجود في مستشفى السلمانية، ذهب الاب الهرم مسرعا لرؤية ابنه. استوقفه ضابط شرطة وسأله: "كيف علمت انه هنا؟". صمت الأب. أجابت ابنته أن بعض الحقوقيين أخبروهم. غضب الضابط وأراد أن يضرب الأب وهو يصرخ: "انا اكلم رجال انت تكلم". ساله ماذا به فقال له أصيب بالشوزن. رد الضابط: "ارحل والله سيشفيه اذا كان مسلماً".  رد الأب: "هل اخرجتمونا من ملة الاسلام ايضاً؟" أجاب الضابط: " كل من يخرج في المظاهرات يهود وغير مسلمين". ثم أمره بالمغادرة قبل أن يطلق عليه الكلاب البوليسية.

لا يزال حميد مجهول المصير والمكان، معلومات مسربة بأنه في غيبوبة الآن، وأنه بعد اختطافه تعرض للضرب على رأسه، وتعليقه حتى تكتل الدم في راسه، وأن عمليات أجريت له في الرأس إثرها، وهو الآن معلق بين الحياة والموت والحياة.



الحلقة الثالثة - شوكة الأطباء 





مرآة البحرين (خاص): بينما  راح  الإعلام  الرسمي  ينفي  استخدام  الجيش  للرصاص  في  قمع  المعتصمين  والمحتجين  السلميين،  كان  الأطباء  يعرضون  الأشعة  والصور  التي  تثبت  اختراق  الرصاص  لأجساد المحتجين  أمام  كل  العالم. وبينما  راح  الناطقون  باسم  السلطة،  ينفون  وجود  حالات  خطرة  في  أحداث  17 - 18  فبراير،  كان  الأطباء  ينقلون  للرأي  العام  العالمي  حقيقة  الحالات  في  مستشفى  السلمانية،  وبشاعة  الإصابات  التي  راح  ضحيتها  خمسة  من  المحتجين  خلال  يومين  فقط،  بالإضافة  إلى  أخرى  خطرة،  وإصابات  موجهة لأماكن  حيوية  من الجسم.

 شهادات  الوفاة  التي  أصدرها  الأطباء  تكشف  عن  هذا،  وهي  شهادات من شأنها أن  تدين  النظام  عالمياً، أيضاً بيانات  الأطباء  المنددة،  واعتصاماتهم  المستنكرة،  وتصريحاتهم  في  وكالات الأنباء  العالمية،  كلها  صارت  مصدر  إزعاج  للسلطة  التي  تريد  أن  تخفي  انتهاكاتها  عن  أعين  العالم. من  هنا  صار الكادر الطبي  وجوداً  يهدد  السلطة  بشكل  خاص، فهؤلاء  ليسوا  نشطاء  سياسيين معارضين،  بل  أطباء  يشهدون  بما  يرون،  وبطبيعة  الحال،  يتأثرون  إنسانياً  من هول  ما  يرون،  خاصة  أن  ما  يجري،  هو  على  أبناء  وطنهم  الذين  خرجوا  سلمياً، يطالبون  بحقوق  مشروعة.
هنا، كان يجري التفكير في طريقة للتخلص من الكادر الطبي، الذي صار مصدر فضح مزعج للسلطة.

إحراج الوردة

 
السبت  19  فبراير  صباحاً، المتجمهرون  يتوافدون  على  مجمع  السلمانية  الطبي  منذ  الثامنة  صباحاً  للتبرع  بالدم  والتضامن  مع  الجرحى  والمصابين . صحافيون  أجانب  يقومون  بتغطية  الحدث  في المستشفى، إدارة  المستشفى  لا  تتعامل  مع  الجماهير  ولا  مع  الحدث،  كذلك  الوزير  فيصل  الحمر  الذي  كان  جزءاً  من  أزمة 17  فبراير.

تنتشر  رسائل  هاتفية  وإلكترونية  وفي  وموقع  التواصل  الاجتماعي (الفيسبوك)،  تدعو  لخروج  مسيرات  من  مناطق  السنابس،  النعيم،  المنامة  باتجاه  دوار  اللؤلؤة  عند  الثالثة  ظهراً. الهدف: (تحرير) الدوار  وفك  الحصار  المفروض  عليه  من  قبل  قوات  الجيش  وقوات  الأمن  الخاصة. الوسيلة : مواجهة  سلاح  الجيش  ورصاصه  بسلاح  الورد. هي  المرة  الأولى  التي  رفعت  فيها  الورود،  قبل  أن تصبح  الورود  علامة  الحركة  الاحتجاجية.

عند  الساعة  الواحدة  ظهراً،  يبدأ  ما  يشبه  الكر  والفر  بين  المتظاهرين  ورجال  الأمن، أعداد  من  المتجمهرين  يزحفون  من  منطقة  السنابس  نحو  السياج  الشائك  الذي  نصبته  قوات  مكافحة  الشغب على  بعد  نحو  نصف  كيلومتر  من  الدوار  من  جهة  منطقة  السنابس. زحف  آخر  يأت  من  جهة  منطقة  النعيم،  على  الطريق  المؤدي  من  السلمانية  للدوار. تواجههم  قوات  الشغب  بمسيلات  الدموع، لكن  ليس  بعنف  اليومين  السابقين. عدد  من  حالات  الاختناق  والإغماء  تنقل  إلى  مجمع  السلمانية  الطبي . جموع  أكبر  من  المتظاهرين  يخرجون  من  مجمع  السلمانية  الطبي  عند  حوالي  الثانية ظهراً، أيضاً  تتم  مواجهتهم  بمسيلات  الدموع.من جانب  ابراهيم  شريف  أمين  عام  جمعية  وعد،  يخاطب  رجال  الأمن  ويطلب  من  قائدهم  السماح  للشباب  العزل  بالاعتصام  السلمي، يبدي  الأخير  ردة  فعل إيجابية، ويخبر  أنه  بكل  حال  ليس  لديهم  أوامر  باستخدام  القوة .

الزحف ما يزال  مستمراً،  الشباب  يتقدمون  الآن  عند  السياج  الشائك  رافعين  الورود،  ومتشحين  بأعلام  البحرين. تبدأ  المناورات  السلمية  مع  قوات  الأمن، يمرر  الشباب  رسائل  الورد  عبر  الأشواك الشائكة  ليؤكدوا  سلمية  هذه  الحركة،  تتقدمهم  صبية  تحمل  وروداً  تهديها  لرجال  الأمن، الأمن  يمتنع  عن  استخدام  آلة  القمع، لكنه  في  الوقت  نفسه  مُحرج  أن  يقبل  الورد  الممدود  إليه  بسلام.

تحرير الدوار

في  ذلك  الوقت، كان  تلفزيون  البحرين  يعرض  خطاباً  لولي  العهد،  يأمر  بسحب  جميع  القوات  العسكرية  من  شوارع  البحرين  بأثر  فوري  تمهيداً  لإعلان  الحداد،  تمهيداً  لبدء  الحوار  مع  الشباب وجميع  القوى  السياسية  والمجتمعية. تبدأ  الآليات  العسكرية  وقوات  الأمن  بالانسحاب. يُعلَن  بيان الجيش  رقم 2: " انسحاب  القوات  العسكرية  من  العاصمة ".
 

يركب  رجال  الأمن  سياراتهم  وشاحناتهم، تنسحب  آليات  الجيش  بهدوء، الشباب  يسهلون  مرورها  وسط  تصفيق  حار  وتهليل  وفرح " قمنا  بإلقاء  الورود  على   سيارات  الأمن  وآليات  الجيش  تعبيراً عن  سلميتنا،  أردنا  أن  نقول  لهم  إننا  لا  نريد  التصادم  مع  أحد  في  هذا  الوطن،  وكلنا  للبحرين " يقول  أحد  الشباب  المشاركين .

دقائق  فقط،  كانت  كافية  ليزيل  الشباب  السياج  الشائك،  وليقطعوا  مسافة  النصف  كيلومتر  مشياً  على  الأقدام، مهرولين مرة وراكضين مرة أخرى، ليفتحوا  مجدداً  الدوار . الرسائل  الهاتفية  انتشرت  من  فورها : " تحرر  الدوار " ، " توجهوا  إلى  ميدان  الشهداء " تفاجأ  الشباب  عند وصولهم  أن  عدد  من  سيارات  الإسعاف  سبقتهم  للمكان، سبع  سيارات  مجهزة  بالطاقم  الطبي  ومستلزمات  العلاج  الفورية،  انتشرت  في  محيط الدوار  تحسباً  لأي  طارئ  محتمل.

كان  لوطء  العودة  رهبة  الدم  وحلاوة  النصر، تفاوتت  ردات  الفعل : البعض  خرّ  ساجداً  على  الأرض، البعض  خرّ  باكياً، البعض  راح  يتحسس  حرارة  الدم  الذي  سال  في  المكان  منذ  يومين، البعض راح  يكتشف  فعل  العنف  في  المكان،  يجمع  ما  امتلأ  به  من  الرصاص  المطاطي  وأغلفة  مسيلات  الدموع  والطلقات  المختلفة، البعض  راح  ينتشل  آثار  الناس: حذاء  هنا، ونعال  هناك،  دمية  طفلة  بقت تشهد  على  قسوة  الهجوم،  حذاء  طفل  لا  يتجاوز  الثانية  من  عمره،  قنينة  حليب  لرضيع  ثالث، جُمعت  كلها  في  معارض  صغيرة  هنا  وهناك . بعد  كل  مسافة  من  الأمتار  صار  ثمة  معرض  صامت يحكي . أطلقوا  عليه  من  حينها  " ميدان  الشهداء " سريعاً  ما  هبّ  الشباب  بعدها  لتنظيف  الدوار  والشوارع  المحيطة  به  وابتاعوا  حاويات  قمامة  من  أجل  ذلك، وبالأحجار،  راح  البعض  يرسم  لوحة على  الأرض  تقول: " نحب  البحرين  ونطالب  بمصلحة  كل  شعبها ".

الآلاف  توافدت  متخذة  من  خطاب  ولي  العهد  ضماناً  لحق  تجمعها  السلمي . الورود  صارت  زهوة  المكان، اختلط  الحزن  بالورد  والبكاء  بالفرح " كان  الناس  يضحكون  ويبكون  ويهتفون ويدهشون  مما  يرون  من  آثار،  كانو  يعيشون  حالات  ومشاعر  مختلطة،  لكنهم  جميعاً  كانوا  يشعرون  بالفخر،  أجمل  المشاهد  التي  شهدتها  بنفسي،  أحد  الشباب  يزرع  نبتة  ( بتونيا ) في  المكان،  وعندما سألته  لمن  هذه،  قال  لأرواح  شهداء  هذا  المكان " يقول  أحد  الشباب  الحاضرين  في  دوار  اللؤلؤة .

عدد  كبير  من  المحامين  والنشطاء  الحقوقيين  ورجالات  السلك  الدبلوماسي  البحريني،  توافدوا  أيضاً  إلى  الدوار. أيضاً،  عدد  من  الكادر  الطبي  ممن  انتهوا  من  نوبة  عملهم  عند  الثانية  والربع، جاؤوا  إلى  الدوار  يشاركون  المعتصمين  عودتهم،  ويؤكدون  أنهم  سيكونون  متواجدين  بشكل  طوعي،  وخارج  أوقات  دوامهم  الرسمي،  إلى  جانب  المعتصمين،  لتقديم  المساعدة  الطبية  لأي  طارئ  قد يحدث .


مخيم السلمانية

خلال  اليومين  التاليين،  كانت  مؤشرات  الهدوء  العام  بدأت  بالظهور، المعتصمون  في  الدوار  يعبرون  عن  مطالبهم  بسلمية  وأمان . أيضاً،  حاول  تلفزيون  البحرين  لبس  ثوب  الحمام  خجلاً  من  مبادرة ولي  العهد، لكن الأمر  لم  يطل. أقل من يومين ثم : " جاءنا  من  فوق  ( ؟ ) أن  أجهضوا  مبادرة  الحوار " حسب مصدر من تلفزيون البحرين .  سيكون للجهاز الإعلامي  الدور الأكبر في تأليب الشارع السني ضد الحركة الشعبية عموماً، وضد الأطباء خصوصا وستوجه لهم اتهامات غير مسبوقة في تاريخ الحركة الوطنية وتاريخ مهنتهم.

 
في  مجمع  السلمانية  الطبي  بدأ  جدل  آخر  يحتدم، بعض  الأطباء  يرون  أنه  " مادام  سمح  للشباب  بالعودة  إلى  الدوار  والاعتصام،  دعونا  نعمل  على  إنهاء  الاعتصام  الموجود  في  باحة  مجمع السلمانية  الطبي " لكن  شباب 14  فبراير  كانوا  يرون  خلاف  ذلك  " لا  بد  من  وجود  نقطة  تجمع  ثانية  غير  الدوار،  فإذا  ما  تمّ  ضرب  الأولى،  لجأ  الناس  إلى  الثانية " الأطباء  كانوا  باتجاه  إنهاء  كافة  الاعتصامات  في  موقف  السلمانية،  لكن " بعد  النقاش  الحاد  بين  الأطباء  وشباب  14  فبراير،  تفاجأنا  بمجموعة  من  الشباب  المتطوعين  يقومون بنصب  خيام  في  الباحة،  خيمة  للنساء،  أخرى  للشاي،  وثالثة  للمعرض  الذي  ضم  الأدوات  التي  استخدمها  رجال  الأمن  في  قمع  المحتجين،  ثم  وضعت  منصة  للخطابة "يقول  أحد  الأطباء " شخصياً احتد  بي  النقاش  مع  مسؤول  شباب  14  فبراير،  الكادر  الطبي  رفض  ذلك،  صار  المكان  محطة  التقاء،  بدأ  يتحول  إلى  مكان  تجمهر " يكمل .

سيكون هذا التصرف، أكثر ما خدم به المحتجون السلطة التي كانت تبحث عن طريقة للتخلص من (إزعاج وفضح) الكادر الطبي. صارت التهمة جاهزة، اختطاف مستشفى السلمانية من قبل الكادر الطبي والمحتجين الشيعة، وتحويله إلى وكر خاص.

 عدد من الأطباء وعلى رأسهم  الطبيب الاستشاري علي  العكري، يحاكمون اليوم في المحاكم العسكرية بتهمة التنظيم للاعتصام والتجمهر  ونصب الخيم داخل باحة السلمانية وتحويله مركزاً للعمليات بهدف قلب نظام الحكم، لكن شهادة  وليد  المانع،  الرئيس  التنفيذي  للمستشفيات، التي  أدلى  بها  كشاهد  إثبات  في  محاضر  الأمن،  يُخبر أنه بتاريخ  20 - 21  فبراير،  تم  وضع  الخيام  في  المستشفى  من  خلال  اللجنة  المنظمة  من  الدوار (لا من الأطباء)،  وأنه  قد  تم  الاتصال  بالوزير  الحمر  عن  طريق  الوكيل أمين  الساعاتي،  الذي أخبره أن  هذا  قد  يؤدي  إلى  الازدحام  في مواقف  المستشفى،  إلا  أنه  ( الوزير الحمر ) وافق  على  ذلك  وعلل  أنه  سيكون  لفترة  بسيطة . وهي  الشهادة  التي من المفترض أن تُخلي طرف  العكري  والأطباء،  وتضع  الوزير  السابق  في  الواجهة  بشكل  مباشر.  هل كان قبول الوزير الحمر لنصب الخيم في المستشفى مقدمة مقصودة لضرب الكادر الطبي؟


"لم أسمع علي العكري يقول يوماً بإسقاط النظام، في كل المسيرات التي تقدمها كان ينشد بلادي  بلادي بلادي لك حبي وفؤادي،  كانت هذه أنشودته التي يرددها دوماً. كذلك يكرر البيت المعروف إذا الشعب يوماً أراد الحياة، لم أسمعه  يطالب بإسقاط النظام” تقول إحدى زميلاته من الطبيبات.

مسيرات  الكادر  الطبي  بقت  متواصلة بواقع يومين في الاسبوع،  تخرج  من  السلمانية  بعد  انتهاء  الدوام  عند الساعة الثالثة وتتجه نحو الدوار.  هناك نصبت خيمة  طبية  للمساعدة  في  علاج  أي  حالة  طارئة،  تم  مدها  بالأجهزة  والمواد .

"في الخيمة  الطبية  لدينا استعدادات بسيطة، أسرَّة  المرضى والأوكسجين  تم إحضارها بتصريح  من  الوكيل أمين  الساعاتي، والأدوية  أُحضرت من  مركز  الرازي  والنعيم  بتصريح  من الوكيل مريم  الجلاهمة" تقول إحدى الطبيبات المتواجدات في الخيمة الطبية، وتضيف " تبرعات مادية كثيرة كان يحضرها لنا المعتصمون، وكانو يحضرون الأدوية التي لا يحتاجونها من بيوتهم، هناك صيدليات مدتنا بالأدوية أيضاً،  بعض  الأدوية  غير  المتوفرة  في  المراكز الصحية قمنا بشرائها" الحالات التي كانت ترد على الخيمة الطبية في (فترة الهدوء) بسيطة معظمها. حالات قليلة تم تحويلها إلى مستشفى السلمانية حسب الطبيبة "وجود  الأطباء  في  الدوار  لم  يكن  بهدف  الاعتصام، بل بهدف توفير الرعاية الطبية للمعتصمين، من المعروف  عالمياً  إن  أي  مكان  فيه  تجمع  لا  بد  من  مركز  طبي  لرعاية الحالات التي قد تحدث فيه" تضيف الطبيبة.


فخ مريم الجلاهمة

الوكيلان الجلاهمة والساعاتي...
ادانة الأطباء بعد شكرهم

 يتناوب الكادر الطبي حسب أوقات فراغه من عمله " ركب  العكري  فوق المنصة وقال للجميع:  لا  أحد  يترك  عمله  أو  يقصر  في  أداء واجبه ، لا  أحد  يترك  مقر عمله  ويأتي  معنا. الخروج في المسيرات  بعد  الدوام  فقط. إذا  وجدتموني  تركت  العمليات وخرجت  فذلك لأني في إجازة سنوية. وأحضر هناك  كعلي  العكري الشخص  وليس  كعلي  العكري الطبيب" تقول إحدى الممرضات.

الوكيلان مريم الجلاهمة وأمين الساعاتي عرضا على الكادر الطبي المتواجد في خيمة الأطباء  بدل مناوبة، لكن الكادر رفض معتبراً أنه يقوم بعمل إنساني لخدمة وطنه. مريم الجلاهمة أرسلت للكادر الطبي رسالة شكر حينها "الزملاء الأعزاء.. إن ما مرت به المملكة أظهر جلاء المعدن الحقيقي للكوادر الطبية والتمريضية وطواقم الإسعاف وجميع العاملين الصحيين الذين أبرزوا بجلاء صورة المواطن البحريني عند الشدائد. إننا لا نستطيع بأي حال من الأحوال أن نوفي هؤلاء حقهم وهم الذين بذلوا جهوداً جبارة طيلة الأيام الماضية في علاج المصابين مع تمسكهم بانتظام العمل في جميع مرافق وزارة الصحة فلهم ألف تحية" الرسالة كانت بمثابة الحافز، الآن تبدل الوضع، وصارت الجلاهمة تشارك في محاسبة الكادر الطبي والتحقيق معهم بسبب جهودهم التي كانت مشكورة، فصارت مأثومة.


تدشين شعار الاختطاف

في 26 فبراير، وبعد اعتصامات متتالية من الكادر الطبي تطالب بإقالة الوزير وطاقمه الإداري، يصدر أمر ملكي بإقالة وزير الصحة الحمر وتعيين نزار البحارنة وزيراً للصحة "شعرنا  أن عزل الوزير  انتصار  للحركة  الاحتجاجية، وكنا نطمح في عزل الوكيل عبد الحي العوضي أيضاً، فهو بؤرة فساد لوحده" يقول أحد الكادر الطبي.
لكن يبدو أن الإقالة كانت من أجل البدء في حملة إعلامية شرسة يراد تجنيب الوزير السابق الحمر من أن يناله شيئا منها. فمع تعيين نزار البحارنة وزيراً للصحة، بدأت الحملة الإعلامية تحت شعار (السلمانية المختطفة) من قبل الشيعة،  كان هو عنوان الحملة التي اشترك فيها صحافيو السلطة ورجالاتها وسياسيوها وخطباؤها، وبطبيعة الحال، تلفزيون البحرين.

التهم بدأت تكال إلى الكادر الطبي: إلحاقهم الضرر بالعمل الطبي في مستشفى السلمانية والمراكز الصحية، وانتقالهم إلى الدوار تاركين مرضاهم والمصابين دون رعاية ومتابعة في المستشفيات والمراكز الصحية.  الرسائل الهاتفية المجهولة المصدر وفي صفحات الفيس بوك وتويتر بدأت تشن حملتها مستهدفة الكادر الطبي والوزير الجديد. صار الدخول إلى مستشفى السلمانية يخضع لكشف هوية من قبل (المختطفين) من الأطباء وأهل الدوار، وأنهم يقومون بتفتيش الداخلين من المذهب (السني) والتحقيق معهم. وأن مرضى (السنّة) مهملون، وأن الطوارئ محتكر للمتجمهرين ويتأخر عن الحالات الطارئة، وأن هناك حالتي وفاة حدثتا بسبب تأخر الاسعاف وإهمال الأطباء، وأن الذهاب للطوارئ  يتطلب ساعتين من الانتظار بسبب الاعتصام والخيم، وساعتين إضافيتين من أجل الخروج.

كل هذا كان يجري تناقله عبر رسائل مجهولة المصدر تصل أبناء المذهب (السني) ليتناقلونه فيما بينهم، الهدف: تحويل القضية الاحتجاجية إلى قضية سنية شيعية، وإسقاط مصداقية الكادر الطبي.

قناة وصال الفضائية السلفية السعودية، والتي عملت جنباً إلى جنب مع الإعلام الرسمي البحريني في تأجيج طائفية الحدث، تلقت اتصالاً مستنكراً من (أم محمد) من الطائفة السنية، التي اتصلت بقناة وصال وكذبت كل ما يقال، وذكرت أنها ترددت على المستشفى أكثر من مرة خلال تلك الفترة، ولم يتم تفتيشها ولا سؤالها عن أصلها ولا فصلها ولا تعطيل وصولها، وأن قريبتها التي ترقد في المستشفى تحظى بعناية واهتمام من الكادر الطبي الذين عبرت عنهم أنهم من المذهب الشيعي، وأن كل ما يتم تناقله هو إشاعات مغرضة بهدف النيل من الوحدة الوطنية وشق الصف وإثارة الفتنة".


الوزير البحارنة
وزير الصحة الجديد (الشيعي الأصل)،  لاقى منذ اليوم الأول رفض الشارع السني الذي مثّله (تجمع الوحدة الوطنية) الذي رأى في عزل الأول وتعيين الثاني تهديداً لوجوده. لهذا كان على (البحارنة) أن يتحمل ليس فقط تركة أخطاء الوزير السابق، ولا تركة الاحتجاجات واعتصام باحة السلمانية، بل عليه أن يتحمل تركة الإسقاط والتخوين والاختطاف التي صارت عناوين يوصم بها الكادر الطبي المطلوب الإجهاز عليه وعلى صوته. واجه الهجوم نفسه الذي واجهه الكادر الطبي، بل صار وفق الحملة الإعلانية مسؤولاً عنه ويجب محاسبته. في لقاء مع صحيفة الأيام بتاريخ 9 مارس، أي بعد أقل من أسبوعين من تعيينه، استنكر البحارنة حرب الإشاعات والتجييش المضرة بالوطن أولاً، وقال: "اتركونا نعمل، إن كان هناك أناس عقولهم صغيرة. فعلى الأقل لتعمل الناس المتفهمة والمحترمة مع بعضها البعض من أجل هذا الوطن" ثم اشتكى من الإعلام (الذي يعمل ليس على إجهاض الحوار الوطني كما وصله من فوق!، بل على إجهاض الوطن) قال: "تحدثت شخصياً إلى المعتصمين في السلمانية ووعدوني أنهم سيتركون مكان الاعتصام غداً، لكن بعد البرنامج الذي عرضه تلفزيون البحرين ووجه لهم أصابع الاتهام، أصروا على موقفهم وقرروا البقاء معتصمين. يجب أن نعمل مع بعضنا لنخرج من هذه الأزمة" قال ذلك منتقداً التأزيم الذي تعمده الإعلام وجهات أخرى كثيرة "منذ أول لحظة تم تعييننا فيه" **.

ماذا ينتظر الأطباء أيضاً؟ كيف سيعمل الإعلام على بث مشاهد مبتورة من سياقاتها وموجهة باتجاه الاتهامات المقصودة، وكيف سيعيش الأطباء لحظات أحداث المرفأ المالي وجامعة البحرين؟ في الحلقة القادمة.

* أم محمد تتصل بقناة وصال

** لقاء نزار البحارنة في صحيفة الأيام




عاجل الحد: إلى مريضه مضى المسعف النبيل




مرآة البحرين (خاص): 


إنها العاشرة من صباح الثالث عشر من مارس الفائت، تسلّم (ع.ع) العامل ضمن طاقم مسعفي طوارئ مجمّع السلمانية الطبّي أمراً من رئيسه، اتصال ورد للتو للقسم يطلب حضور الإسعاف إلى رجل مسن، والمكان هو منطقة "الحد".

يبدو الأمر روتينياً جداً لموظف يقضي يوم عمله في نقل المرضى من وإلى منازلهم وتقديم خدماته الطبيّة لهم، إلاّ أن "اللاروتيني" في الأمر، هو الوصول والدخول إلى "الحد"، ثم الخروج منها.

يعرف (ع.ع) أن الطريق للوصول إلى منزل المريض بمعية زميله مغامرة محفوفة بالمخاطر، فالمداخل التي تؤدّي إلى جزيرة المحرّق مغلقة بـ "ملثمين" يحملون أسلحة بيضاء وعصي، يسألون عن هويّة "المارّين" بمركباتهم وسيّاراتهم، وثمّة أخبار يتداولها الناس عن شروع أولئك الملثمين بضرب المارّة وإيذائهم لمجرّد انتمائهم الديني، كما ثمّة نقمة خاصّة يحملها أولئك الملثّمون ضدّ "سيارات الإسعاف" التي برزت في شاشات التلفزة والإنترنت وهي تنقل مصابي الاحتجاجات الشعبية، فأولئك الملثمون مزيج من رجال أمن بملابس مدنية، وجماعات شبابية دينية تمّ تجييشها طائفياً ضدّ المعارضة وأنصارها، وضدّ الكوادر الطبيّة التي اعتبرها "الإعلام الحكومي" جزء من مؤامرة تستهدف الإطاحة بالنظام وتكوين جمهورية "شيعية" تستهدف وجود "السنّة" في البحرين، وما تلك السيارات الطبية سوى جزء من تلك المؤامرة التي نجحت في احتلال مجمع السلمانية الطبي.


يحتاج (ع.ع) إلى جرعة كبيرة من الشجاعة ليقول نعم لـ "أمر" رئيسه، سيما وزملاؤه يتداولون قصص تعرضهم لإيذاءات نفسية وجسدية من أولئك الملثّمين الذين ينتشرون في مداخل عدّة مناطق من البحرين.
"هل سيكون أقسى من الوقوف أمام الرصاص؟!!" ردّ على استفهام زميله الذي مازحه بالقول "ماذا سنفعل؟!" .. ليس ثمّة خيار آخر في ميزان المهنة التي أخلص لها أولئك المسعفون، "وهل نحتاج للتفكير؟!!" أضاف بممازحة يعني بها ما يقول، فلا مناص من أداء الواجب والالتزام بقسم المهنة، حتى في أحلك الظروف، ولتبدأ الرحلة المزمع انتهاؤها بعد أقل من ساعة، إلاّ أنها استغرقت أكثر من ساعتين.

لم يكن دافع مغامرتهما "الأمر" الذي تلقاه المسعفان من رئيسهما، ففي طريقهما استذكرا "التطنيش" الذي دُوّن في سجلهما قبل أسابيع تجاه أوامر الوزارة، كانت الأوامر حينها تتوخى "ظاهرياً" سلامتهما الشخصية وسلامة سيارتهما من حملة "التطهير" التي شرعت قوّات الأمن في تنفيذها ضدّ المتظاهرين في دوار اللؤلؤة، إلاّ أنهما كان معاً في قلب المعركة، ولم يخرجاّ إلاّ بعد أن تعرضّا للضرب والإهانات، والتهديد بتفريغ "الشوزن" في صدر (ع.ع).


سيقطع حوارهما الآن دراجة نارية تحاول اللحاق بهما في منتصف جسر الشيخ خليفة بن سلمان الذي يربط ميناء خليفة بشرق المحرّق، يحاول السائق تجاهل طلب سائق الدراجة الملثّم بالوقوف، وليجد نفسه أمام نقطة تفتيش أقامها ملثمون نهاية الجسر، وليُستقبل فور توقفه بإنزاله قسراً من السيّارة وبسيل من الشتائم ومحاولة الاعتداء.
"ذاهبٌ إلى رجل كبير في السن ومريض" صرخ السائق وسط كومة المكتظّين حوله بالعصي والسكاكين، ثمّة من في الجمع يمارس دور التهدئة، وليبدأ التحقيق معه ومع وزميله (ع.ع)، .ومع كل سؤال سيلٌ من الشتائم والإهانات والبصق في الوجه.

احتاج المسعف ومساعده إلى وقت طويل لإقناع المكلّفين ظاهراً بحراسة مناطق أهل السنة بأنهم لا يحملون أيّة نوايا عدوانية تجاه قاطني تلك المناطق، وأنّ حضورهم لأداء مهمّة رسمية لاصطحاب مريض طاعن في السنّ، ولإثبات أنّهم مهنيون ومواطنون صالحون، كان عليّهم التبرؤ من أفعال قادة المعارضة وحراكها والسكوت على كل الشتائم والإهانات التي كالها الملثّمون لهما ولقادة المعارضة ورموزها.


اجتاز المسعفان نقطة التفتيش التي أقامها "الملثمون" بعد 20 دقيقة من التحقيق والإهانات، سيكون الوصول سريعاً الآن إلى منزل المريض الذي لا يبعد عن نقطة التفتيش سوى بضعة كيلومترات، إلاّ أن تلك الأمنية بدت بعيدة المنال، فثمّة نقطة تفتيش ثانية، وثالثة، ورابعة، وفي كل نقطة تفتيش يتكرّر ذات السيناريو، سين وجيم وسيل من التهديد والوعيد والبصق في الوجه.
بعد أكثر من ساعة في رحلة تستغرق في العادة ربعها، وصل المسعفان إلى منزل "المريض"، شرعا في أداء واجبهما المهني تجاه المريض، وأوصلاه إلى طوارئ السلمانية بعد أن مرّا بمعيته بثلاث نقاط أمنية أخرى يتجمّع فيها الملثمون، وبذات السيناريوهات بشتائم وإهانات أقل.
انتهت المهمّة بسلام.ثمّة شعور داخلي بالراحة النفسية يشعر بها (ع.ع) بعد إنهاء كلّ رحلة رغم الألم الذي يعتمل فيه وهو يسمع تأوهات مرضاه وشكواهم، فالجهود التي يبذلها وعبارات التضميد والتسكين التي يمزجها بانهماكه في تضميد جراحات مرضاه وتسكين آلامهم، يتذكرها بعد حين،  مكافأةً لنفسه وتحفيزاً لها لمزيد من البذل، إلاّ أن "الألم" الذي سيعتور (ع.ع) بعد ساعات من إنهاء "رحلة الحد" سيكون مختلفاً، حيث يقرأ في هاتفه النقال مسجاً استلمه بواسطة "البلاك بيري" مفاده "سيارة الإسعاف تتأخر عمداً في إنقاذ رجل كبير في السنّ من أهل السنّة والجماعة في منطقة الحدّ"، يليها مسج آخر "تدهور حالة رجل كبير في السنّ بسبب تأخر متعمّد من قبل سيّارة الإسعاف في إنقاذه"، ومسج ثالث ورابع وأكثر جلّها تتداول تفاصيل ما أنزل الله بها من سلطان حول "تعمّد رجال الإسعاف الشيعة في التأخر عن إنقاذ مريض من أهل السنّة".


تتفجّر الأسئلة في ذهن (ع.ع) حول تلك التفاصيل المفتعلة والمتداولة في الـ "بي بي" ووسائط إلكترونية أخرى، إلاّ أن ما يخفّف من وطأتها الحيلة النفسية التي لجأ إليها بالتقليل من أهميتها، "لن يصّدقها أحد" قال مخاطباً نفسه، فما أكثر الشائعات والأقاصيص الوهمية والمختلقة في الـ "بي بي" ومواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية، إلاّ أن (ع.ع) لم يدر في خلده أبداً أن تلك الروايات والقصص سيصوغ منها "الإعلام الحكومي" روايته الرسمية للعالم حول ما أسماه فيما بعد "تطهير مجمّع السلمانية الطبّي" من المحتّلين والخونة، وأنه سيصبح جزءاً من أولئك المجرمين الذين أشارت لهم القائم بأعمال وزير الصحّة فاطمة البلوشي في مؤتمرها الصحافي الذي عقد في الثاني من مايو الماضي بأنهم قاموا بـ "منع وصول الرعاية الطبية والخدمات الصحية للمواطنين والمقيمين بشكل طائفي ، مما عرض المرضى للخطر وشكل تهديدا واضحا وكبيرا على حياة الكثيرين منهم".

التقى (ع.ع) بزوجته في السادس من يونيو الجاري للمرّة الأولى بعد أن ودّعها في الثاني من أبريل الماضي، وكان اللقاء في قاعة محكمة السلامة الوطنية في الرفاع بعد أن تم إحضاره بمعيّة 19 مسعف آخرين، وطوال فترة الشهرين لم تسمع زوجته صوته ولم تعرف عنه أي شيء، سوى أنه ذهب للعمل ولم يرجع.
وفي قاعة المحكمة، وقف (ع.ع) للاستماع إلى التهمة الموّجهة إليه وزملاءه، والمتمثلة في " إذاعة عمداً أخبار وبيانات كاذبة ومغرضة بشأن عدد من المصابين والتجمهر".


لم يلتقِ (ع.ع) بأي محامٍ قبل مثوله أمام المحكمة، كما أن زوجته لم تعرف بمحاكمته إلاّ قبل يوم واحد من موعدها، حين تلقّت اتصالاً من الأمن يطلب حضورها في اليوم التالي إلى قاعة المحكمة، وبعد انتهاء الجلسة الأولى سُمح لها بتوكيل أحد المحامين للدفاع عنه.
لم يتسنّ لزوجة (ع.ع) الوقوف على تفاصيل وحيثيات اقتياد زوجها والتحقيق معه خلال عشر دقائق من اللقاء معه، حيث اكتفى الأخير بالقول "ما لقيته كان مهولاً، ولا يمكن أن أصفه"، وأضاف "قبل إحضارنا إلى قاعة المحكمة تلقيّنا وجبة ضرب وإهانات دسمة، ونحن على موعد بوجبة أخرى بعد الجلسة إذا تحدّث أحدنا بغير المسموح به أمام القاضي".


كوزو أوكاموتو في تجربة السجن البحريني





مرآة البحرين (خاص): بعد أن خرج الثائر الياباني في الجيش الأحمر (كوزو أوكاموتو) من المعتقل الإسرائيلي في مايو 1985، والذي قضى فيه نحو 13 عاما. ظهرت عليه عوارض سلبية من جراء التعذيب النفسي والجسدي.

من أهم تلك العوارض التي رافقته خلال الأشهر الأولى بعد الإفراج: كيف يتصرف كالإنسان، كيف يأكل بيديه؟ كيف يمشي على رجليه؟ والأعظم، كيف يقتنع أنه ما يزال إنسانا؟ حرفية عالية يستخدمها العسكر الإسرائيلي في التعذيب، واحدة من الأساليب النفسية التي استخدمت لتعذيب الثائر (كوزو أوكاموتو)، هي معاملته كالحيوانات الأليفة التي تربى في المنزل! الانهيار النفسي مصاحباً للانهيار الجسدي، هو ما تعمد له قوات الأمن في انتهاكها للمعتقلين داخل السجون. فإذا خففت من الأول بسبب وضوحه وسهولة كشفه  على أجساد ضحاياها أمام الرأي العام العالمي، فإنها تلجأ إلى الأخير، أي النفسي، متمثلاً في الإذلال والإهانات والترويع، لأنه لا يمكن كشفه بسهولة.

أحد المفرج عنهم من أفراد الطاقم الطبي يروي عما شهده من تعذيب نفسي لمعتقلين:"أحد الضباط في مركز شرطة الحوض الجاف، تعنت في تولي ملف أحد الأطباء، وأحد المدرسين، وأخذ يعاملهم كالكلاب (أعزهم الله). يوضح، أن الضابط يتعمد عند استقبال ضيوفه من الضباط الآخرين، خلال وجود ضحايا في الغرفة، يتعمد أن يجبرهم على الجلوس جلسة الكلب، ثم يقوم بالمسح بيده على رؤوسهم، ويجبرهم على الأكل من الطبق عن طريق الفمهم مباشرة، فضلا عن ربطهم بسلسلة حديدية كما يربط الكلب. ويشير إلى أن "الضابط عمد في تلك الممارسة بعد أن أجبرهم على التوقيع على ورقة بيضاء بالإكراه والتعذيب الوحشي، وإذلالهم لكي ينصاعوا إلى أوامره، أن يتصرفوا كالكلاب".

في سياق مشابه يقول مصدر بالجهاز الأمني " أن مجموعة من الضباط بالتحقيقات الجنائية بمنطقة العدلية، كلفوا مجموعة من الشرطة بضرب احد كبار الأطباء وهو من الطائفة السنية بشكل مهين، وذلك بغرض الإهانة وليس التعذيب الجسدي" وأوضح "الشرطة وأثناء إهانة الطبيب كانوا يرددون عليه كلمات بذيئة، ويقولون له "فشلتنا سني وتروح الدوار"! آخر يروي حكايته مع جهاز أمن الدولة، يقول" فوجئت بخمسة شبان يحوطوني في المكتب بالعمل، وكان السؤال  الموجه لي واحد فقط، "أنت فلان؟"، الإجابة " نعم" ، وما أن أنهيت كلمتي حتى انهالوا علي بالضرب أمام الموظفين وأخرجوني إلى الشارع، وهم يواصلون الضرب والإهانات من كل صوب وناحية".

ويضيف "حتى في مركز الشرطة القيد لم يفك من معصمي، وبين الفينة والأخرى يدخل شخص أسمر اللون ضخم الجثة ينهال علينا بالضرب بقطعة بلاستيكية (هوز). معي آخرون لا أعرفهم أيضا، لا يتوقف حتى يكل متنه من الضرب، ويستريح ومن ثم يعاود الضرب مجددا". إحدى السجينات بتهمة جنائية في مركز شركة المحافظة الوسطى بمدينة عيسى، نقلت معانات إحدى الممرضات في التوقيف، وما تعرضت له من أساليب التعذيب.

تقول " التقينا بالممرضة المعذبة يوم 3 ابريل الماضي قبل انتهاء عقوبتي بخمسة أيام، أدخلوها التوقيف بعد أن عذبوها بـ(الهوز)، وقام رجال الأمن بقص شعرها، بل أكثر من هذا، قاموا بتلمس أماكن عفتها. كل هذا حدث أثنا التحقيق معها وهي معصوبة العينين، مكبلة الأيدي". تضيف: " لقد انهارت في الأيام الأوائل، بسبب إيقافها فترات طويلة دون تحرك، وهددوها عدة مرات بالاغتصاب، ألا أنهم لم يقدموا على ذلك، حتى خروجي من السجن".

وحسب الشاهدة فإن الشرطة نقلتها بعد ذلك إلى سجن انفرادي لا يعلم عنه أحد، بتاريخ 7 ابريل.  في المحصلة، هل يحق للمراقبين أن يقارنوا بين أجهزة الأمن الإسرائيلية في الثمانينات، عندما عذبوا الثائر الياباني (كوزو أوكاموتو)، وأجهزة الأمن البحرينية، وهي تعذب الطاقم الطبي 2011؟


مراسل تلفزيون ITN البريطاني يحكي قصته في السلمانية

زوجة الشهيد عبدالرضا بوحميد في لقاء الأحبة


مرآة البحرين (خاص):
 كثر الحديث عن المفقودين في الساعات الأولى للسابع عشر من فبراير/شباط، فما كان منا إلا أن حاولنا الاتصال بعائلات أحد المفقودين بغرض تسليط الضوء على هذا الجانب من الثورة البحرينية التي انطلقت في الرابع عشر من فبراير، وحدث أن رتبنا الموعد ظهر الثامن عشر من فبراير في منطقة جدحفص مع شقيق لأحد المفقودين. أنهينا المهمة وتركنا المنطقة في الوقت الذي خرجت فيه مسيرة باتجاه الشرق، سألنا فأخبرونا أنهم متوجهين إلى مستشفى السلمانية، لكن قيادة المسيرة يبدو أنها غيرت رأيها في اللحظات الأخيرة. كنا، أنا البريطاني الجنسية مراسل قناة ITN البريطانية،  والمصور من نفس الجنسية، الذي أعمل معه، والمنتجة البحرينية نتبع الجمع بالسيارة، عندما رأينا المسيرة تنحرف عن مسارها، بدلا من مستشفى السلمانية ذهبت باتجاه دوار اللؤلؤة، فنزلنا من السيارة أنا والمصور وتوجهنا على الفور سيرا على الأقدام مع المحتجين الذين فتحوا صدورهم للنار.

حدسي الصحفي أخبرني أنهم سيفتحون النار على المتظاهرين، الذين رفعوا أيديهم منادين بالسلمية وبالعودة للدوار، ونحن نجري لنتمكن من نقل الحدث، كان إطلاق النار قد بدأ، وبحكم أنني وزميلي متمرسان في تغطية النزاعات والحروب، أدركنا من خلال أصوت الطلق أن ما يحدث في تلك اللحظات هو إطلاق للرصاص الحي، تبعه مسيلات للدموع.

صورنا الجرحى الذين سقطوا على الأرض، والمحتجين الذين نقلوهم إلى سيارات الأسعاف، وتوجهنا بعدها إلى مجمع السلمانية الطبي لاستقاء المعلومة الكاملة، والتعرف على نوع الإصابات وإذا ما كان هناك قتلى، فقد رأينا الكثير من الدماء على الأرض، خصوصا ذلك الشاب الذي كان في مقدمة الفوج، الذي أصابه الطلق الناري في رأسه.

ونحن في طريقنا إلى السيارة لنتجه لمستشفى السلمانية كان الكثير من الشباب يسير نحو الدوار، فسألناهم إلى أين أنتم ذاهبون؟ قالوا: للدوار، فأخبرناهم أن الجيش لا يزال قابع هناك وأنه حدث إطلاق للرصاص الحي، لم يبالوا لما نقول وقالوا، من استشهدوا ليسوا أحسن منا، وأحدهم قال: وماذا لدينا لنعيش من أجله، وأكملوا طريقهم بخطى خفيفة نحو الدوار، ولا نعلم ما الذي حدث لهم بعد ذلك. في السلمانية، كانت أفواج المحتجين تملأ الساحات، يصرخون وينادون بالقصاص، وهم مذهولون بأن أول معركة يخوضها الجيش البحريني منذ تأسيسه كانت ضد شبان بحرينيين عزل، كل ما طالبوا به هو المزيد من الديمقراطية وحياة أفضل للجميع. توجهنا نحو وحدة العناية المركزة بعد حوالي ساعتين من الحادثة، وكانت في أشد حالات الإنشغال والقلق، الأطباء والممرضات متجهمين ويحملون علامات الأسى في قلوبهم، بعضهم راح ينادي، أي جيش هذا الذي يقتل شعبه.

أحد الأطباء أجاب على أسألتنا، 4 حالتهم خطيرة وقد تم تحويلهم إلى العمليات، أحدهم مصاب بطلق ناري في رأسه، وآخر في صدره، وأكد لنا أن لا قتلى حتى الآن. للتأكد من المعلومة، توجهنا نحو المشرحة قبل مغادرة المجمع، وأكد لنا من كان هناك ألا قتلى اليوم، فقط أربعة قتلى هم الذين سقطوا بالأمس. توجهنا للفندق لنتمكن من عمل مونتاج للمادة التي جمعناها، لإرسالها للقناة ليتمكنوا من نشرها في وقت متأخر من ليل اليوم وصباح الغد، وهذا ما تمّ.

في صباح اليوم التالي كان مطلوب منا متابعة القصة، فتوجهنا للمجمع مرة أخرى، وبعد السؤال عن الجرحى، تم إخبارنا أنهم يرقدون في قسم العناية المركزة في الطابق الثاني، وقادنا أحد الأطباء إلى هناك، وفي الطريق، تحدث الطبيب عن ما رآه في الدوار صباح الخميس (17 فبراير) قال إن الشرطة والجيش سمحوا لنا بالدخول إلى المنطقة في الساعات الأولى للهجوم، ولكنهم منذ الساعة السادسة أو قبل ذلك منعوا الإسعاف من المرور، وكنا نريد أن نتأكد من عدم وجود جرحى أو قتلى آخرين، كما تعرض أحد طاقم الاسعاف للضرب وإصابة في رأسه وساعده.

كما أكد هذا الدكتور على أنه تم السماح لسيارات الإسعاف بالمرور بعد الثامنة صباحا، بعد وقوع المزيد من المصابين بالقرب من منطقة القفول بسبب تواجد للمحتجين في هذه المنطقة. وصنا للطابق الثاني، حيث كان طبيبان، أحدهما استشاري، وكان أهالي الجرحى يقفون في الخارج أحدهما متأثر جدا، والدموع تفيض من عينيه.

بدأنا الحديث مع الأطباء، فأخبرونا أنهم تلقوا هذه الحالات مساء الأمس (الجمعة)، وأنهم أدخلوا للعمليات لعمل اللازم، ولكن أحدهم متوفى دماغيا، وهو المصاب بطلق ناري في رأسه، عبد الرضا بو حميد، شرحوا لنا مدى فضاعة ما رأوه من إصابات بالرصاص في الرأس والرجلين، فوجهت لهم سؤالا عن نوعية الرصاص أو حجمه، فكان الجواب: "لا نعلم، فنحن لم نخض حربا من قبل، ولم نحمل السلاح، ولم تواجهنا أي حالات كهذه في السابق"، كان الحديث مع الأطباء أما شاشات التلفزيون، حيث الإعلام الرسمي، فقد كانت تنفي استخدام الرصاص.

ثم أطلعونا على بعض الصور، والأشعة للمصابين، فتعرفنا أنا وزميلي على حجم الرصاص المستخدم. تحدثنا مع شقيق عبد الرضا الذي كان منهارا، وتحدث إلى الكاميرا بانجليزيته المكسرة، قائلا: "هل تعرف الملك حمد؟ إذا مات أخي فهو المسئول". وراح يجهش بالبكاء، وكذلك كل من حوله، والأطباء. سمح لنا الأطباء بالدخول إلى وحدة العانية القصوى لتصوير الجرحى، فكان منظرهم وهم مدثرون بأعلام البحرين يفطر القلب، كما سنحت لنا الفرصة بأن نجري لقاء مع الدكتورة نهاد الشيراوي، استشارية العناية القصوى، التي حاولت إنقاذ عبد الرضا منذ لحظة وصوله، كانت ملامح الحزن والقلق بادية على وجهها، رغم أنها بدت قوية وتؤدي واجبها على أكمل وجه، تحلت بالأمل رغم أنها تعلم أن أيام وساعات عبد الرضا محدودة. غادرنا المكان والجو العام هو الحزن والأسى، وفي اليوم التالي تلقينا خبر وفاة عبد الرضا.


شوكة الأطباء (الحلقة الرابعة): أطباء إرهابيون، بلطجية مسالمون


مرآة البحرين (خاص): يعرض تلفزيون البحرين مشهداً لعدد من أفراد الكادر الطبي في وضع يبدو أنه احتفالي. يرددون أهازيج الصلاة على الرسول مع التصفيق ويهتفون: منصورين والناصر الله. مقدم البرنامج في تلفزيون البحرين يقول أن المشهد مأخوذ من مستشفى السلمانية الذي (يدعي) الأطباء أن بها عدد من الجرحى حسب قوله. ثم يشير إلى علي العكري ويصفه (بالإرهابي) (١). هذا في الوقت الذي لم يكن قد مضى على اعتقال علي العكري غير أيام، ولم يتم الانتهاء من التحقيق، ولم تجر محاكمته بعد، بل لا يزال حتى لحظة كتابة هذه المادة، رغم مثوله للقضاء العسكري،  لم يصدر في حقه حكم المحكمة العسكرية التي يجدها القانونيين غير شرعية.

المشهد ذاته يضعه أحد المنتديات الطائفية، ويقدّم له صاحبه بالتالي: "منظر مقرف للدكتور البلطجي علي العكري يصفق ويرقص ابتهاجا بتعيين الطائفي نزار البحارنة وزيرا للصحة بدلا عن فيصل الحمر الرجل الشهم الذي عاداه الرافضة لأنه سني". ثم يضيف "الإرهابي علي العكري حول السلمانية الى معتقل وساحة تعذيب واعتصامات وقاذورات ايرانية صفوية يرقص ويحتفل مع عدد من الاطباء الشيعة والممرضات الشيعيات بالانتصار ظهروا حقدهم وكرههم لاهل السنة بعد ان كشفهم الله عز وجل وجعل كيدهم في نحورهم". بهذا المستوى الركيك والطائفي والتخويني والتحريضي، تتعامل الأدوات الإعلامية الرسمية وغير الرسمية للسلطة، مع كل من شارك المحتجين أو دعم مطالبهم أو عالج جرحاهم.

المشهد في حقيقته لم يكن مأخوذاً من مستشفى السلمانية أصلاً، بل من مركز الكويت الصحي الواقع في منطقة دار كليب. وهو المركز الصحي الذي تم تجهيزه في يوم المسيرة الحاشدة التي أطلق عليها بمسيرة الأكفان، والتي توجهت إلى قصر الصافرية بتاريخ السبت 12 مارس/ آذار 2011 (٢)، فقد كان التخوف كبيراً من تعرض هذه المسيرة لمواجهة قوات الأمن التي تواجدت قبل وقت انطلاقها بساعات. خاصة أن مسيرة اليوم السابق، وهي مسيرة الديوان الملكي في منطقة الرفاع، تعرضت لهجوم مكثف بمسيلات الدموع بعد انتهائها، فأثناء عودة المشاركين، تمت مباغتتهم بمسيلات الدموع من الخلف (٣).

يشرح أحد أفراد الطاقم الطبي من الشهود: "المشهد الذي تم عرضه والمزايدة عليه، كان بسبب فرحة الطاقم الطبي، أن انتهت مسيرة الصافرية بسلام ودون أية مواجهات، فقد كان التوجس منها كبيرا، ولبس الأكفان كان إشارة إلى خطورتها المحتملة".

آخر يعلق "تعودنا من الإعلام البحريني على اجتزاء الحدث، وتلبيسه سيناريو آخر، من أجل وصم المحتجين من الأطباء والمثقفين والمهنيين بأنهم خونة وصفويين، فقط لأنهم شيعة، يطالبون بإصلاحات".

في  هذه المسيرة، اقترح العكري  وجود الأطباء داخل سيارة الإسعاف، لسرعة معالجة الحالات الحرجة، بدلاً من انتظار وصولها للمركز الصحي أو المستشفى. رئيس مستشىفى السلمانية وليد  المانع، أكد في جلسات المحاكمة أن  الإسعاف  الذي خرج  في  هذه  المسيرة  كان  بتصريح، أي أن الأطباء لم يقوموا بهذا العمل دون إجراء إداري كما تدعي الروايات التي يتم ترويجها من قبل السلطة وإعلامها.

البلطجية

احمل العصا أو السيف ورافق الأمن..تكن صالحا

اليوم السابق (الجمعة 11 مارس/آذار 2011)، كانت مسيرة الديوان الملكي في منطقة الرفاع، بدأت من جهة منطقة عالي. المشاركون يحملون الورود ويتقدمون باتجاه (دوار الساعة) الواقع في الشارع المؤدي إلى ديوان الملكي. عند الدوار  يحتشد تجمهر مضاد يحمل السلاح الأبيض ويتهدد المشاركين مانعاً إياهم من دخول الرفاع باعتبارها منطقة (سنّية موالية) ولا يقبل أهلها دخول (الشيعة المحتجين). الأمن يباشر الجماعة المسلحة ويقف بجانبها ومعها. المسيرة الحاشدة تتقدم، على بعد حوالي 300 متر من دوار الساعة، يشكل الأمن سلسلة بشرية تمنع المسيرة من التقدم أكثر. المشاركون يتجنبون استفزاز الأمن أو التجمهر المضاد، يتوقفون، يرددون هتافات الوحدة، يسلمون الورود لرجال الأمن قبل أن يقرروا التراجع للوراء والعودة لنقطة البداية.
أثناء العودة يتفاجأ المشاركون بهجوم من الخلف من قبل الجماعة المسلحة بالأسلحة البيضاء وبالحجارة، الهجوم يحدث تحت مرأى رجال الأمن. الأمن يقوم بإلقاء مسيلات الدموع بكثافة، لكن ليس على المهاجِمين، بل على المهاجَمين (٤). سيتفاجأ المهاجَمين أيضاً بتحطيم عدد كبير من سياراتهم في المنطقة التي كانت محاصرة بالكامل من قبل قوات الأمن (؟) (٥).
المصابين يتم نقلهم إلى مركز عالي الصحي، مصادر تنقل أن عدد المصابين فاق القدرة الاستيعابية للمركز، قسم منهم نقل إلى مستشفى السلمانية، حالات ثلاث أدخلت الانعاش.



حفظ الممتلكات العامة و الخاصة
الجماعة المسلحة هنا، لم تكن تعمل لوحدها، تزامنت مع ظاهرة جديدة انتشرت فيالأيام الأخيرة قبل نزول قوات درع الجزيرة. يبدو أن الهدف منها هو التمهيدلهذا الدخول وتبريره. عصابات من المدنيين الملثمين يحملون أسلحة بيضاء، يهاجمون مناطق الشيعة، يعتدون على الناس ويحطمون سياراتهم وما يقع تحت أيديهم من ممتلكاتهم الخاصة. جرى تسميتهم (البلطجية)، على غرار التسمية التي أطلقها المصريون على العصابات التى هاجمت ميدان التحرير بالجمال والبغال والحمير وقذفوا الناس بالطوب والحجارة. وهي مجموعات مدفوعة الأجر، تقوم بأعمال عنف وتخريب ممتلكات خاصة، تحركها عناصر مدعومة من قبل السلطة، تهدف إلى زعزعة الأمن وإشاعة الذعر والفوضى، وإظهار أن الفوضى ناتجة عن هذهالحركة الاحتجاجية، الأمر الذي يبرر قمع النظام لها.

التسمية هنا تشابهت لأن الفعل تشابه، والهدف، كذلك النتيجة. الفرق أن المعتصمين في مصر كانوا يقومون بإلقاء القبض على (البلطجية) لتسليمهم إلى رجال الجيش. لكن في البحرين، كان هؤلاء يقومون بأعمال العنف والتخريب على مرأى رجال الأمن وتحت حمايتهم، وحين يتوجه المعتصمون بتقديم شكوى ضد أعمالهم التخريبية في مراكز الشرطة، لم تكن إجابة مراكز الأمن أكثر من "قدموا بلاغ".

هذه الجماعات سرعان ما عُمد إلى نشرها داخل المناطق والأحياء السكنية الشيعية. ففي الوقت الذي كان شباب هذه القرى يعتصمون في دوار اللؤلؤة، كان هؤلاء يشنون هجومات مسلحة على أهالي المنطقة.


مسلحون في المنامة
 

ثمة من يتساءل الآن، ما دخل هذه العصابات المسلحة، في ملف الكادر الطبي؟
باختصار، عدد من (الشيعة) تجري محاكمتهم الآن في القضاء العسكري بتهمة الاعتداء على آسيويين، عدد آخر من (الكادر الطبي) يحاكم أيضاً، بتهمة احتجاز مصابين آسيويين في مستشفى السلمانية كأسرى. كيف؟

في 17 مارس 2011، عرض تلفزيون البحرين مشهداً مصوراً لسيارة إسعاف، تقف وسط تجمهر كبير داخل باحة مجمع السلمانية الطبي (٦). يُفتح باب الإسعاف لينزل منه عدد من الآسيويين المقيدة أيديهم وسط جمهور يهم بالهجوم عليهم، ينقطع المشهد. التقرير التلفزيونى المصور يقول: "ان هؤلاء المجرمين والخارجين على القانون (يعني الكادر الطبي) حولوا سيارات الإسعاف بمجمع السلمانية الطبى والتى يفترض بها أن تنقل وتسعف المرضى لكى تصل بهم الى المكان الذى يتم فيه العلاج من الألم والجرح، كما أظهرت المشاهد المصورة، حولوها إلى وسيلة للإرهاب تنقل الأبرياء إلى المكان الذى سيتم تعذيبهم فيه. وتساءل تلفزيون البحرين فى تقريره المصور: "هل هذه الممارسات غير الإنسانية وغير الأخلاقية هى ما يدعيه هؤلاء الخارجون عن القانون من أصحاب المطالب المشروعة كما يزعمون؟"

السؤال الذي لم يطرحه هذا التقرير المصور، ولن يطرحه، هو ما الذي جعل هؤلاء المتجمهرين غاضبين بهذا القدر على هذه المجموعة من الآسيويين "نحن شعب تعايش مع الاسيويين طوال عمره، لماذا الآن بالذات الاعتداء عليهم؟ ما الذي فعله هؤلاء وتسبب في هياج الناس بهذا القدر الذي أظهره المشهد؟ ولماذا لم نشهد حادث اعتداء على الآسيويين قبل هذا الحادث أو بعده؟" يرد أحد شهود من الكادر الطبي. آخر يضيف " في المشهد المعروض كان من الواضح أن الكادر الطبي يقوم بعمل سلسلة بشرية لحماية الآسيويين من المتجمهرين الغاضبين، لكن التلفزيون كان يُخبر أن الطاقم هو من يقوم بالضرب وهذا يكذبه المشهد ذاته".



ما هي الحكاية المخفيّة في سياق هذا المشهد؟
 
شارك في الحدث مواطن مخلص وعسكري باكستاني!

في أحياء المنامة العاصمة (13 مارس/ آذار 2011)، يتفاجأ الأهالي بعد صلاة العشاء، بعدد من الآسيويين مندسين من خارج منطقة المنامة، يحملون الجنسية الباكستانية والبنغالية، ينتشرون في أزقة المنامة، ويهاجمون المارة بالأسلحة البيضاء والعصي والأسياخ والحجارة. سريعاً ما وردت إصابات متفاوتة إلى مستشفى السلمانية، حالات تعرضت لإصابات بأسلحة بيضاء.

فريق آخر من الآسيويين كان يلقي الحجارة والطابوق من أسطح بعض المباني "كنت أسير في أحد الأزقة برفقة إحدى قريباتي حين أُلقيت علينا حجارة من سطح أحد المباني، وقعت كسرة منها على قدمي" تقول إحداهن.

الرسائل النصية تم تداولها سريعاً، عدد من الشباب المعتصمين في الدوار غادروا نحو المنامة لردع الهجوم. أيضاً، الشباب من سكنة المنطقة خرجوا لحماية أهاليهم، سريعاً ما اشتعلت الاشتباكات بين الطرفين "كان لا بد لنا من الدفاع عن أنفسنا وأهلنا، لقد دفعوا لهم ليهددوا حياة الناس وليثيروا الرعب والفوضى، لم يكن ممكنا أن نتركهم يعيثون في مناطقنا السكنية ترويعاً واعتداء على أهلنا ونقف صامتين"، يضيف "الدفاع عن النفس ليس خروجاً عن السلمية".

يضيف آخر "لم يكن أمام شباب المنطقة سوى مواجتهم، عدد كبير منهم هم من رجال الأمن، لمن نشتكيهم إذاً؟" الاسيويون فروا للاختباء في بيوت المقيمين من الجنسية نفسها، الاشتباكات استمرت طويلاً. بعدها دخل  بعض الاسيويين من سكنة المنطقة نفسها على خط الاشتباكات.

وغاضبون في السلمانية

النداء في السلمانية أعلن عن وجود مصابين من الطرفين، سيارات إسعاف خرجت لنقل المصابين برفقة أطباء منهم غسان ضيف. أحدها عاد بالجرحى من أهل المنامة، وآخر نقل الآسيويين، إصابات بليغة ل12 ممن يحملون الجنسية الباكستانية، بعضهم عسكريون "بينما كان الطاقم الطبي يقوم بمعالجته، تفاجأنا بأحد الاسيويين يرتدي لباساً عسكرياً تحت ثوبه" يقول أحد الشهود.

إحدى الطبيبات خرجت في سيارة إسعاف من أجل إحضار الجرحى من الطرفين، تروي مشاهدتها: "عندما وصلنا كان الاشتباك بين الطرفين، الآسيويون كانوا يحملون الأسلحة البيضاء، الشباب تمكنوا من بعض الآسيويين وقاموا بتقييدهم كي يأمنوا ألا يعاودوا الهجوم عليهم، الإصابات كانت من الطرفين، نحن أيضاً تعرضنا لهجوم من الاسيويين، كانوا عنيفين ومخيفين. حملنا المصابين من الطرفين في سيارات منفصلة، صرت في إسعاف الآسيويين،كنت أقدم لهم الإسعافات الأولية عندما صرخ فيّ أحدهم أن أفتح رباطه، ارتعبت وخفت أن يهجم علي، لم أستجب له، قدمت لهم الإسعاف اللازم حتى وصلنا المستشفى". 
 
نقل الآسويين المصابين للسلمانية

الجماهير كانت احتشدت منذ سماعها عن هجوم مسلحين على المنامة وعدد من القرى الشيعية. مع توافد حالات إصابات من الأهالي بعد صلاة العشاء مباشرة. يروي أحد أفراد الطاقم الطبي "المتجمهرون كانوا في حالة هياج بسبب تزايد حالات الاعتداءات من قبل الجماعات المسلحة في مناطق شيعية مختلفة قبل الهجوم على المنامة. ما إن يعرف المتجمهرون أن هذا الإسعاف يحمل آسيويين حتى يهموا بالهجوم عليه. المشهد المعروض يظهر هذا الهياج الغاضب، الأطباء كانوا يحمونهم. سلسلة بشرية من الطاقم الطبي تفصل الجمهور عن المصابين الآسيويين. تلقينا بعض الركلات نيابة عنهم. يوشك المتجمهرون أن يهجموا على الطاقم الطبي. صار  اشتباك  بين  الطاقم  الطبي  مع المتجمهرين "الجمهور  هائج، بعضهم أهالي  المصابين والمفقودين، كانوا  يعنفوننا في الكلام، ونحن  نتحمل ونهدئهم ، كانوا  يريدون  الهجوم  على الاسيويين وضربهم  ونحن  نمنعهم" تقول إحدى الطبيبات.

تضيف إحدى الشهود "سمعت الطبيب علي العكري يصيح في الجماهير: وبعدين معاكم؟ نريد أن نعمل، نحن غير قادرين على أن نعالج مرضانا، أنتم تعرقلون عملنا"

المصابون تلقوا العلاج المبدئي فقط من أطباء الطوارئ، لم يلبث أن جاء اتصال من الداخلية: سننقلهم  إلى المستشفى العسكري ، تم  نقلهم في  الليلة  نفسها.

العصابات المسلحة لم تتوقف، ما يزال مسلسل الإرهاب يجتاح القرى، مسلحون ملثمون يحملون الأسلحة البيضاء والحديد والخشب ويهاجمون الأهالي. ثمانية من البانغلاديشيين يتم إسعافهم إلى  مركز  صباح  السالم. الحالات  كانت  متفاوتة، عندما أراد الأطباء نقلهم إلى مستشفى السلمانية  رفضوا،  قالوا  نريد أخذنا إلى المستشفى  العسكري .

غسان ضيف، الذي ركب الإسعاف بنفسه لينقذ المصابين الآسيويين، وتحمل توبيخ الجماهير الغاضبة عندما كان يحاول تهدئتها ليتمكن رجال الإسعاف من إنزال المصابين الآسيويين وإدخالهم غرفة الإنعاش، والذي قام بوضع رجل أمن عند باب الغرفة لحمايتهم من هجوم المتجمهرين الغاضبين، هو نفسه اليوم الذي تواجهه تهمة احتجاز رهائن من الآسيويين.

"دور الأطباء كان حماية الآسيويين من المحتجين  الغاضبين، لكن  هذا  الدور  استخدم  ضدهم.  لو أراد الأطباء إلحاق الأذى بهم، لكانوا تركوهم  في  الشوارع  بدمائهم. لماذا يتعنون  لهم  ويتكبدون  عناء مواجهة  الجماهير  الغاضبة؟ "


  1. مقطع يوتيوب تلفزيون البحرين يعرض مشهداً يصف العكري بالإرهابي
  2. مقطع يوتيوب مسيرة قصر الصافرية
  3. مقطع يوتيوب ضرب مسيرة الديوان من الخلف
  4. مقطع يوتيوب ضرب مسيرة الديوان وتظهر المسلحين  في حماية رجال الأمن ضد المحتجين العزل
  5. مقطع يوتيوب لمسلحين يقومون بتكسير سيارات المحتجين بمرأى من رجال الأمن  
  6.  مشهد نزول الآسويين من أسعاف وسط تجمهر في السلمانية المعروض في تلفزيون البحرين  



...................................................... 


شوكة الأطباء، الحلقة الخامسة: أطباء عالقون بين المرفأ والدوار وجامعة البحرين



أطباء البحرين وممرضوها... كما لم نرهم من قبل


مرآة البحرين (خاص): الأطباء الذين قضوا معظم حياتهم مغمورين بين كتب الدراسة وأروقة المستشفيات وحالات المرضى، بشكل أبعد الكثير منهم عن الانخراط في الفضاء المجتمعي والميدان العام، وجدوا أنفسهم اليوم داخل هذا الفضاء، بل  محرك رئيس فيه. وعي جديد بالمجتمع وبالناس بدأ يتشكل في غضون هذه الأزمة. الخروج من ضيق المهنة إلى رحابة الميدان العام، ومن عزلتها بين جدران المستشفى وأروقتها إلى الشوارع الضاجة بالناس، والبيوت التي تخفي الجرحى عن أعين رجال الأمن. صار الطبيب معنياً أكثر بحركة المجتمع وما يجري فيه، صار وجوده جزءاً من تفاصيل حركته اليومية.

هل كان يمكن للأطباء أن يقفوا خارج المشهد الدموي الذي عايشوه منذ 14 فبراير؟ هل كان يمكن لهم أن يقفوا مكتوفي الأيدي بانتظار ما يُسمح لهم بممارسته أو معالجته أو التعامل معه؟ هل كان يمكن لهم أن ينسحبوا من المشهد ويتركوا المصابين والجرحى ينزفون في المشهد لوحدهم؟ هل كان يمكن ألا يصرخوا بوجه النظام: "كفى، أنت تقتل شعبنا"؟ لم يكن هذا ممكناً. إنه وعي مختلف، وربما جديد، بالذات الفردية  وبالمجتمع. التصاق أكثر بالناس، بقضاياهم، بآهاتهم ووناتهم، واحتراق أكثر من أجلهم. 

هناك تحول في الوعي الفردي والجمعي، الأحداث ليست فقط تصنع المجتمعات والدول، هي تصنع الأفراد أيضاً وتعيد رسم خارطة أولوياتهم وعلاقاتهم بالآخرين. "لقد حولتنا حركة 14 فبراير من أناس منعزلين عن وقع المجتمع، إلى ملتصقين بالحدث والناس، بالقدر الذي يسمع أحدنا همس الناس وكأنه وجعه" يخبر الأطباء عن هذا الوعي اليوم، ويخبرون عن القيمة التي أضافتها أحداث 14 فبراير لوجودهم ووظيفتهم والإنسان الذي في داخلهم. الأطباء المفرج عنهم يتحدثون بمعنويات عالية وباعتزاز شديد بما قاموا به، كذلك باقى أفراد الكادر الطبي، "ولو عادت الأيام لما ترددت أن أقوم بالواجب الإنساني نفسه" يقول أحدهم. 

جعلنا هذا الحدث، نرى الكادر الطبي بلباسه الأبيض يغادر أسوار المستشفى ويركض في الشوارع ويسعف ويتعرض للتهديد والموت، لم يوقفه أن حياته معرضة للموت، لم يمنع البعض أن يقتحموا الأماكن الأكثر خطورة. في هذه الحلقة وفي الحلقة القادمة، سنرى كيف عاش أفراد من الطاقم الطبي لحظاتهم على شفا حفرة من الموت. لكنهم اقتحموها دون تردد، وكيف أنهم كانوا خلالها يعاينون الموت كل لحظه، لكنهم لم يفكروا أن يعاينوا الانسحاب. 


رعب مسلّح
في الحلقة السابقة، توقفنا عند حدث مساء (13 مارس/ آذار 2011)، هجوم المسلحين (البلطجية) من الآسيويين على الأحياء والقرى واشتباكهم مع شباب وأهالي هذه المناطق، وما حدث في منطقة المنامة. كان ذلك في المساء، مالم تسعنا المساحة للتوقف عنده هناك، هو أحداث اليوم نفسه في الصباح، فقد كان يوماً منهكاً للطاقم الطبي منذ الساعات الأولى من الصباح، حتى الساعات الأخيرة من الليل. 
حدثان هزا الجميع صباح ذلك اليوم: ضرب المعتصمين عند المرفأ المالي، وحدث جامعة البحرين.إنه اليوم نفسه الذي أبدى فيه ولي العهد موافقته على مبادئ الحوار، أي قبل 3 أيام من الهجوم الذي أسمته الداخلية (تطهير الدوار) قبل (إزالته) كلياً. كان ولي العهد يدعو للبدء الفوري للحوار، في الوقت الذي عمت فيه فوضى مجموعات المسلحة الشوارع في كل مكان بهدف إجهاض مبادرة الحوار كلية (1)، وتبرير القمع الأمني الذي كان على بعد مسافة طريق، ودخل البحرين عبر جسر الملك فهد في اليوم التالي، إنها قوات درع الجزيرة.  


تجمع بالعصي و السيوف
عند ساحة الشرفاء في البسيتين
في الشوارع وعند مداخل المناطق السنية، انتشرت المجموعات المسلحة بدعوى حمايتها من الشيعة (2)، كان أغلبهم بحرينيين مع عرب مجنّسين، أما في داخل المناطق الشيعية، فقد انتشرت الجماعات المسلحة من الآسيويين غالباً. الأيدي الخفية التي تحرك هذه المجموعات، هدفها استفزاز المحتجين وجرهم للعنف والاشتباك والخروج عن السلمية، ما يمهد للقمع على أنه وقف للفوضى. نجحت بالفعل هذه الأيادي الخفية في تحقيق مواجهات بين الشباب والمجموعات المسلحة داخل القرى الشيعية، أما في المناطق السنية فقد عملت هذه المجموعات على التعرض للمارين من الشيعة والهجوم عليهم، كما حدث في منطقة البسيتين والرفاع، كما حطمت هذه المجموعات واجهات المحلات المملوكة لرجال أعمال شيعة كمحلات أسواق 24 ساعة. كذلك تمّ حرق مقر جمعية وعد المعارضة في عراد بجزيرة المحرق في 13 مارس، قبل الهجوم على مطبعة صحيفة الوسط وتحطيمها في 15 مارس. كان كل شيء يسير بشكل موجه نحو إجهاض الحوار واستفزاز الشارع أكثر، الماكينة الاعلامية التي لم تكف عن الشحن الطائفي وتهييج غرائز الغضب عند الشارع السني من جهة، ونشر الرعب المسلح في الشوارع من جهة أخرى. 


صور رئيس الوزراء كانت مطبوعة وجاهزةلتجمعٍ عفويٍ في ساحة الشرفاء بالبسيتين
جمعية الوفاق أصدرت بياناً أدانت فيه انتشار المجاميع المسلحة، «الأمن في البحرين لم يعد متوافراً للمواطنين بعد انتشار مجاميع من المليشيات المسلحة التي تتعرض للمواطنين في مناطقهم وفي مؤسساتهم التعليمية والتي تستهدفهم بالآلات الحادة والأسلحة البيضاء»، محمّلة «الدولة المسئولية الكاملة عن هذه المجاميع المرتبطة بالمؤسسة الرسمية والذي بات واضحاً ارتباطها بأجهزة الدولة الأمنية بعد أن تخلت الدولة عن مسئوليتها في منع هذه المظاهر المسلحة التي أغلقت عدداً من الشوارع والطرقات وأقامت نقاط تفتيش وحواجز أمنية في عدد من مناطق البحرين».





كرٌّ عند المرفأ..
على الجانب الآخر، كان شباب 14 فبراير الذين يتحركون خارج إطار الجمعيات السياسية، قد بدؤوا بتصعيد مقابل. كانوا قد هددوا بأنه في حال تعرضت مسيرة الديوان الملكي (11 مارس/ آذار 2011)  للهجوم من قبل رجال الأمن، فإنهم سيعتصمون أمام مرفأ البحرين المالي. المسيرة ضُربت كما أوضحنا في الحلقة السابقة، وجاء وقت تنفيذ التهديد. 

المرفأ المالي، القريب من منطقة الدوار، تحول خلال الأحداث إلى رمز جديد، بعد أن كشفت جمعية الوفاق في مؤتمر صحفي قبلها بأيام، وثيقة تثبت بيع أرض المرفأ بسعر دينار واحد فقط لرئيس الوزاء. 


حاول المتظاهرون تشكيل سلسلة بشرية
لفصل القوات وتفادي المصادمات

كان الموعد المحدد للاعتصام أمام المرفأ المالي هو صباح 13 مارس، لكن منذ ساعات الفجر الأولى، بدأت تتوارد أخبار عبر التويتر والفيس بوك، أن مسلحين (بلطجية) بدؤوا بالتوافد إلى هناك بهدف إحداث فوضى وإلصاقها بالشبابالمحتجين. 

أعداد من الشباب غادروا الدوار نحو المرفأ مباشرة، نُقل أنهم تمكنوا من طرد المسلحين، وقاموا بإغلاق الشوارع أمام المرفأ ومنطقة السيف لمنع عودة المسلحين مرة أخرى ومنع الأمن من الوصول. إغلاق الشوارع تسبب في اختناق مروري عند الصباح الباكر. قوات الأمن تحركت لفتح الطريق العام(3)، تطورت الأحداث، ووقعت مصادمات بين الطرفين ، سريعاً ما شلت حركة المرور في جميع المناطق وتوترت الأجواء في جميع مناطق البحرين. الأمن قام بإزالة الخيم التي وضعها الشباب ليلاً. مئات الإصابات وصلت مستشفى السلمانية الطبي بين اختناقات بالغازات المسيلة للدموع والطلقات المطاطية (4). المشاهد المصورة نقلت مناظر مأساوية، فيديو يظهر مواطن أعزل يتعرض لطلقات مباشرة ومتتالية وهو يقف في مسافة لا تتجاوز  متر واحد، كان يحاول مخاطبة رجال الأمن بطريقة مؤثرة (5). التوتر شل حركة البحرين بالكامل. سيارات الإسعاف لا تستوعب أعداد المصابين، السيارات الخاصة تنقل جرحى الأحداث.
 


وفرٌّ نحو الدوار..


استخدم الرصاص الحي
فوق الجسر المشرف على الدوار
الأمن يدعو المتجمهرين للتوجه إلى الدوار مكان الاعتصام، نداءات شبابية أخرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف النقالة تدعو للتواجد بكثافة فيالدوار لمنع الأمن من مهاجمته، مواجهات المرفأ تنتقل إلى الدوار، قوات الأمن انتشرت فوق الجسر المطل على الدوار، تستمر قوات الأمن في إلقاء الغازات المسيلة للدموعباتجاه الدوار، الشباب يصعدون نحو الجسر لسد الطريق على رجال الأمن ومنعهممن مهاجمة الدوار. المئات من حالات الاختناقات بالغازات المسيلة للدموع، تمت معالجتها داخل الدوار من قبل الكادر الطبي الذي كان متواجداً هناك. الخيمة الطبية لم تتسع للعدد الكبير من المصابين، الأطباء قاموا بفرش سجاد خارج الخيمة، لمعالجة المصابين على الأرض (6).الحالات الأصعب، تم نقلها إلى مستشفى السلمانية، "كنا داخل الدوار نواجه مسلات الدموع، ونعالج الإصابات ولا ندري ماذا يمكن أن يحدث لنا بعد دقائق"،تقول إحدى الممرضات.

فريق آخر من الكادر الطبي يقف خلف الشباب الذين صعدوا باتجاه الجسر. مشاهد الفيديو تنقل قمع المحتجين باستخدام الغازات المسيلة للدموع والطلقات المطاطية بالإضافة إلى هجوم أحد رجال الأمن باستخدام الرصاص الحي. حملات كر وفر بين المعتصمين ورجال الأمن امتدت حتى الساعة الحادية عشرة صباحاً قبل أن تنسحب قوات الأمن. المئات من المصابين، "كنا نقف خلف الشباب الذين يصعدون الجسر، ونراهم يتدحرجون بإصاباتهم من فوق الجسر إلى أسفله أمام أعيننا،  سيارات الإسعاف تقف في الخلف قليلاً، من يسقط يتم نقله عبر سيارات بيك آب خاصة إلى الإسعاف الذي ينقله بدوره للسلمانية"، تخبر إحدى الطبيبات. 


ورعب في الجامعة 
أحداث المرفأ وترت أجواء البحرين بكاملها، بدأ الإعلان عن العصيان المدني، الكثير من الموظفين تركوا أعمالهم واتجهوا نحو الدوار. جامعة البحرين لم تكن خارج سياق هذا الحدث، أعداد كبيرة من الطلاب خرجوا في مسيرات غاضبة ومنددة داخل مباني الجامعة عند الساعة 9:30 (7). مناوشات جزئية حدثت بين الطلاب المحتجين والطلاب الموالين، المناوشات طبيعية ومحدودة، لكن دخيلاً، حول الجامعة إلى مكان رعب حقيقي. 


مجموعات ترهب الطلاب وتعبث بالجامعة

عشرات من المسلحين بالحديد والعصي والأخشاب المزودة بالمسامير يسمح لهم بالدخول عبر بوابة الجامعة(8)، (9)، المسلحون يتوجهون للطلبة المحتجين مباشرةويقومون بالهجوم عليهم وضربهم وإصابة العشرات منهم. الطلاب يقومون من فورهم بعمل سلسلة بشرية لحماية الطالبات. المسلحون يهاجمون المباني ويرعبون الطلبة (10). أمن الجامعة وإدارتها لا تفعل شيئاً، الرعب والصراخ ينتشر في كل الجامعة.

نداءات إغاثة عبر الهواتف المحمولة وصلت إلى المعتصمين في دوار اللولؤة الذين كانو للتو استعادوا وجودهم في الدوار. عدد من الشباب يغادرون فوراً متجهين إلى الجامعة، إسعاف مجهز بطاقم طبي يخرج معهم، "خرجنا إسعافا واحدا فقط لأننا لم نكن متأكدين من صحة الخبر، أردنا التأكد قبل استدعاء عدد آخر من الطواقم الطبية" تقول إحدى الطبيبات.  

إحدى أفراد الكادر الطبي التي تواجدت بين الساعة 12-1:30 في الجامعة تروي لمرآة البحرين ما تعرضت له "كنا  في  الدوار نعالج مصابي المرفأ والدوار عندما وصل  خبر  الجامعة. إسعاف واحد ركب فيه أربعة من أفراد الطاقم الطبي. لم نمنع من الدخول، وهناك إسعاف من المستشفى الدولي سبقنا بالوصول، لكن عدداً من سيارات الإسعاف التي أتت بعدنا تمّ منعها". 

في مشهد فيديو يروي أحد الأطباء "لم يسمح لنا بالدخول، قلت له أنا طبيب ألا ترى لباسي، كان يسألني هل أنت من مستشفى قوة الدفاع أم من السلمانية، قلت له ما الفرق جميعنا نعالج المرضى، لم يسمح لي بالدخول"،المشهد أيضاً يظهر  بعض الحالات التي شهدتها مستشفى السلمانية في ذلك اليوم والغضب الذي أخذ الكوادر الطبية تجاه ما حدث في الجامعة ذلك اليوم (11)

تروي الطبيبة تجربتها لمرآة البحرين "رأينا عند دخولنا مجموعة من الرجال، بعضهم لا يمكن أن يكون في سن الجامعة، يحملون أسلحة  بيضاء، أخشاب بها مسامير، وسيوف غريبة، كان ذهابنا في إسعاف واحد فقط للتأكد أن ما وصلنا من أخبار حقيقي وليس إشاعة. تفاجأنا بما رأينا من مشهد مخيف، الأمن والشرطة مع العشرات من المسلحين، معظمهم ملثمون، يرتدي عدد كبير منهم الثوب العربي ويقفون  مع  رجال  مكافحة الشغب". 


الأطباء وصلوا لاسعاف الجرحى في الجامعة
نزل الكادر الطبي وقام بالانتشار في الجامعة لتفقد الإصابات حاملاً عدة الإسعافات الأولية "معظم الحالات التي عالجتها كانت  صدمات  عصبية،  البعض كان مضروباً  بأدوات  حادة" تكمل الطبيبة.
طبيب  آخر  عالج طالباً من المحتجين، كانت إصابته  جرحا  كبيرا في يده، أسعفه  إسعافا  أوليا،  وحمله  في  حافلة صغيرة  إلى مستشفى  السلمانية  حوالي الثانية والنصف ظهراً. الأطباء أسعفوا الطلاب من الطرفين وحملوهم في الإسعاف نحو السلمانية.

تكمل الطبيبة الحادثة التي عاينتها "عند مبنى اللغة الإنجليزية التقت أكثر من مجموعة من الطواقم الطبية، كانت قد دخلت لاحقاً. أحد الأطباء (الكبار) أكد علينا: "نحن هنا من أجل معالجة الجرحى من الطرفين، ليس يعنينا من المعُتدي ومن المُعتدى عليه" الاشتباكات ما تزال قائمة بين الطرفين المحتجين والمناوئين والمسلحين بالإضافة إلى شباب الدوار الذين أتوا لنصرة الطلاب، الجميع اشتبك في العنف هذه المرة. لم يوقف الأمن الاشتباكات "عالجنا  بعض  حالات  الجرح  القطعي" تقول. 


الأمن لحماية المسلحين..
بعد  نصف  ساعة  من  الاشتباكات، أتت  قوات  مكافحة  الشغب، ألقت  الغازات المسيلة للدموع  على  الشباب، ووقف إلى جانبهم المسلحون "تعجبنا مما شهدناه، لكننا وقفنا  جانباً  كي  نكون  بعيدين  عن الصدامات. اثنان من أمن  الجامعة كانا يرافقاننا، أحدهما من المذهب الشيعي والآخر من المذهب السني. خرج  علينا أحد المسلحين يرتدي سروالا قصيرا، أكبر  سناً  من  أن  يكون  طالبا، هجم  على  الطبيب الذي كان معنا وقال له بنبرة تمتلئ بالتهديد: تعالجونهم ها؟ حاولنا أن نفهمهم بأننا هنا لمعالجة الطرفين. تقدم نحوه أحد رجال مكافحة الشغب وأمسكه، لكنه سرعان ماتركه مرة أ خرى. فهجم من فوره على إحدى الممرضات التي كانت تقوم بالتصوير، أمسك ثيابها من  ظهرها والقاها على الأرض وقال  لها الكلام  نفسه. كنا نرتدي ثيابنا البيضاء ولا نحمل في أيدينا سوى سماعة الطبيب" تواصل الطبيبة" تقدم نحونا آخر من المسلحين أيضاً يرتدي  ثوباً،  قام  بمهاجمة  إحدى  الطبيبات والأمن واقف لا يعمل شيئاً". تم نشر هذا المقطع على اليوتيوب، ولكن تم تحريفه بأن من هاجم الطاقم الطبي هو من المحتجين الشيعة يهاجم الطبيبات (12)

 
أمن بزي، وأمن بدون زي، معاً..
ولا أمن في الجامعة

الإسعاف كا واقفاً، وبه عدد من الجرحى، قوات الأمن ألقت قنبلة  صوتية  على  الإسعاف. شظايا زجاج  الإسعاف أصابت  عين  إحدى  الممرضات، وأحد الأطباء في رقبته. الإسعاف يفر بمن فيه، ويبقى 9 أفراد من الكادر الطبي واقفين دون سيارة إسعاف "صرنا في حالة شديدة من الخوف والرعب، المسلحون يحيطون بنا ونحن لا نعرف ماذا يمكن أن يفعل بنا هؤلاء، حياتنا مهددة ونحن عزل. فررنا من فورنا والمسحلون يلاحقوننا، أمامنا واحد من رجال أمن الجامعة وخلفنا الآخر، فتحا لنا باب أحد المباني.  أقفلا الباب من الخلف، لم يلبث أن جاء المسلح الأول وحطم الزجاج الموجود في الباب. سألنا الأمن: هل هناك مخرج آخر؟ قال: لا. أخذنا  إلى داخل  أحد  الصفوف. أقفل  المصابيح  والباب. كنا في رعب حقيقي، كان الموت قريب من أنفاسنا، بقينا قرابة الساعة هناك. قال رجل الأمن: سأخرج لأرى الأوضاع وأعود إليكم. بعد  ربع  ساعة  أخرجنا، قال:  الوضع صار آمناً.

تضيف الطبيبة: "أركبونا في إحدى حافلات الطلاب. بينما الحافلة تسير بعد استتباب الأمن، كنا نشاهد رجال الأمن يمشون جنباً إلى جنب مع المسلحين الذين هجموا علينا قبل قليل، نطالع بعضنا مستنكرين، أُخذنا  لمبنى  إدارة  الجامعة،  بقينا هناك قرابة ساعة ونصف، إلى أن أتى الوكيل المساعد  أمين  الساعاتي  مع علي  إبراهيم  نائب  رئيس  الأطباء، وتسلمونا بسيارة إسعاف وأعادونا للسلمانية".

بعد يوم طويل ومهلك، الأطباء ينقلون التفاصيل للقنوات الاعلامية المختلفة (13)، (14)، غضب السلطة يشتد تجاه فضح الأطباء أكثر، يصير التخلص منهم مهمة عاجلة أكثر.







  • هوامش:
  1. مسلحين مجنسين في مدينة حمد يعتدون على المارة من الشيعة والأمن يتفرج  
  2. مسلحو البسيتين  
  3. مقطع يوتيوب يظهر مجاميع من الشباب عند المرفأ المالي تفصل المحتجين عن قوات الأمن لمنع التصادم قبل إطلاق مسيلات الدموع    
  4. يوتيوب يظهر مشاهد من قمع قوات الأمن للمتجمهرين عند المرفأ ودوار اللؤلؤة 13مارس 2011 ويظهر الطاقم الطبي في موقع الخطر    
  5. طلقات متتالية لمواطن من مسافة تقل عن متر واحد  
  6. يوتيوب يظهر مواجهات الدوار والمصابين على الأرض  
  7. مسيرة طلاب الجامعة المنددة بضرب المعتصمين  
  8. مسلحون يجتازون بوابة جامعة البحرين  تحت حماية أمنية    
  9.  المسلحون يسيرون داخل جامعة البحرين دون ردع أمني    
  10.  المسلحون داخل جامعة البحرين يهددون الطلبة المحتمون داخل المباني    
  11.  يوتيوب حول منع وضرب الطاقم الطبي والطلاب في جامعة البحرين    
  12.  مهاجمة الكادر الطبي في جامعة البحرين، المشهد تم تقديمه بأن المحتجين هاجموا الطاقم الطبي   
  13.  الطبيبة آلاء الصفار تروي ما تعرضت له من تهديد   
  14. مستشفى السلمانية يغص بالجرحى والمصابين من أحداث ١٣ مارس  



 شوكة الأطباء (الحلقة السادسة): يوم سترة الطويل



الشهيد أحمد فرحان بين يدي الطاقم الطبي في مركز سترة الصحي

مرآة البحرين (خاص): "بينما نحن نعالج الجرحى الذين يؤتى إلينا بهم بالمئات، سمعنا صراخاً مريعاً يأتي من خارج المركز الصحي، تأهبنا لشيء كبير. دخل شابٌ يحمل آخر مصاب. يمشي بخطوات ثقيلة كأنها دهر، وبوجه ممسوح من لون الدم، وصدمة لا تستوعبها الملامح. ما إن دخل حتى تعالى الصراخ داخل المركز. كنت أقف على بعد مسافة، لم ألحظ غير الدم الذي ينسكب على طول خط مشيه. كلما مر الشاب على أحد، صرخ هذا الأحد، ولطم ولعن وضرب بيده فوق رأسه، أو ضرب رأسه بالجدار، وارتفع بكاؤه. ما يزال بعيداً عني. لمحت قطعة تتحرك خلف رأس المصاب، لم أميزها، اقترب الشاب ناحيتي، تقدمت نحوه لأسعف المصاب. رمقني بعين يائسة. أكمل سيره باتجاه الباب الآخر نحو الإسعاف. حالة هستيرية ضج بها المكان، لا أحد قادر على تصديق ما يرى. لا أحد قادر أن يتمالك نفسه. صار رأس الضحية أمامي مباشرة، رأيت المنظر المريع، لم أتخيل أن أرى هذا المنظر طيلة عمري، رأس فجره الرصاص، أسال مخه، لم يبق غير الجلد. انهرت بالكامل" تروي إحدى الطبيبات.
نعم..نحن الآن في منطقة سترة، تحديداً في مركز سترة الصحي، اليوم هو 15 مارس، تحديداً اليوم الأول لإعلان قانون السلامة الوطنية.الحدث هو محاصرة قرية سترة والهجوم عليها، تحديداً أكثر الحدث هو دخول قوات درع الجزيرة للبحرين.

الشهيد هو أحمد فرحان (30 عاماً)، تحديداً من تناثر مخه بسبب الإصابة المباشرة في الرأس. الشاب الذي حمله هو منعم منصور، تحديداً من حكم عليه بالسجن ٣ سنوات لأنه حمل جثة فرحان.

وصل الإسعاف مستشفى السلمانية حاملاً (فرحان) حوالي الثالثة بعد الظهر (1). هناك، لم يختلف الأمر عما حدث في مركز سترة، الصدمة ذاتها والذهول ذاته واللطم، "صرنا فيما يشبه العزاء، حتى الأطباء الرجال انهاروا وصاروا يصيحون بصوت عال، حالات إغماء بين النساء، لم يستطع أحد احتمال المشهد المفجع والبشع. الطبيب علي العكري راح يصرخ بانهيار: أسعفوه. لماذا تنظرون اليه هكذا؟ أجابه آخر: كيف نسعفه وهو بلا مخ يا دكتور !" تنقل طبيبة شاهدة.


تقدير من نوع آخر
لم يعد الطاقم الطبي خارج الحدث، بل صار جزءاً منه، لا يعود ذلك فقط إلى أن القتلى والجرحى يمرون من خلاله، بل لأنه صار معرضاً للخطر مثله مثل باقي المحتجين السلميين، رأينا في الحلقة السابقة ما تعرض له الطاقم الطبي في جامعة البحرين من ضرب وتهديد على ممارسته دوره الإنساني والمهني في إسعاف الجرحى والمصابين، في هذه الحلقة المزيد من المعاقبة والملاحقة والتنكيل.
 
اللمرضة المعتقلة رولا الصفار تحتضن د.حنين البوسطة

حنين البوسطة طبيبة شابة تعشق عملها. خلال سنواتها الجامعية، فازت في المسابقة التي تنظمها جامعة الطب في أوكرانيا.حصلت على المركز الثالث بين العلماء الشباب دولياً (2). هكذا كرّم المجتمع الدولي نبوغها وتفوقها، وهي لم تزل طالبة في مقاعد الطب، لكن في يوم 15مارس 2011، كانت جائزة تقديرية من نوع آخر تنتظر حنين بعد أن صارت طبيبة، هذه المرة جائزة خاصة من بلدها.

حنين نقلت ما تعرضت له إلى صحيفة الوسط ونشرت في اليوم التالي(9)، ووثقتها في مضابط الأمن أثناء التحقيق معها فيما بعد. هناك تفاصيل أكثر مما تمّ نشره، حصلت عليها مرآة البحرين من إحدى المقربات.

في البيت، آتية من نوبة ليلية في الخيمة الطبية في الدوار، لم تنم سوى ساعات قليلة، الساعة العاشرة والنصف صباحاً، يتصل بها أحد المسعفين: "تعالي الآن، لقد تم ضرب منطقة سترة"من فورها نهضت مرتدية ملابسها، حاولت أمها منعها، كذلك فعل أخوها. صرخا فيها ألا تذهب، لم تأبه، راحت تجهز عدتها للخروج. آخر ما سمعته كانت صرخة أمها تنادي اسمها وهي تغادر للخارج، علمت فيما بعد أن والدتها قد فقدت وعيها إثر خروجها. في السلمانية، وقفت تبحث عن اسعاف يقلها إلى سترة، حافلة صغيرة بها جريح تدخل السلمانية، تساعد حنين في إنزال الجريح، تركب، تغلق الباب خلفها، يتوجهون لجزيرة سترة.

عند مشارف سترة، سترى الحاويات التي استخدمت لإغلاق الشوارع منعا لدخول قوات الأمن، وسترى حجارة ملقاة على الأرض في كل مكان، وفي مركز سترة الصحي، حالات ممدة على الأرض. أعداد من الجرحى تعرضوا لاستنشاق الغازات المسيلة للدموع وإصابات الطلق الانشطاري (الشوزن) (3). عملت حنين على معالجة حالات الشوزن، الجروح الأكبر يتم نقلها لقسم التمريض. عند مدخل المركز تجمهر كبير(4). سلسلة بشرية تعمل على تنظيم الدخول وفتح الطريق للحالات التي تصل. عند الباب يقف أحد الأطباء يقوم بمعاينة سريعة للاصابات لتوجيهها للمكان الأنسب للمعالجة (5).


لن أنتظر جثثاً تأتي
مع اقتراب وقت الظهر، كان عدد الجرحى آخذاً في الإزدياد"بدأنا نشم رائحة الدم، ونراه أكثر، شعرنا أن الموضوع بدأ يحمى، صار ترقبنا يتوجس الأسوأ" يروي بعض الحاضرين من الطاقم الطبي. لم يلبث الظهر طويلاً حتى كان الدخول المفجع لفرحان، وارتجاج المركز بمن فيه. أكثر من 15 دقيقة مرت بعد أن غادر الإسعاف خارجاً بفرحان نحو مستشفى السلمانية من أجل استصدار شهادة الوفاة، بقى خلالها الطاقم الطبي في ذهوله الذي لم يغادره بعد، الصياح ما يزال يغلب على الكلام، والصدمة تخيم على المكان.

حنين، بعد صمت مفجوع بمنظر فرحان تصرخ: " لن أبقى في المركز هنا وأنتظر الجرحى يأتون موتى، سأذهب إليهم حيث هم، لن أنتظر جثثاً تأتي" توجهت لأحد المسعفين: "غير قادرة على التحمل، خذني الآن، خذني إلى هناك مباشرة"كان المسعف يدخن سيجارته بقهر، أخذ نفساً عميقاً، نظر الى عيني إصرارها:اركبي، قال لها.
اقتربا من المواجهات، صارت حنين تقف وراء الصف الأول الذي يواجه قوات الشغب مباشرة بأيدٍ عزلاء. بدأ الطلق المطاطي في الهواء، على حاويات القمامة، صوت مخيف يخرج، الشباب يصرخون "الله أكبر"، يزدادون ولا ينقصون، يقتربون أكثر، تبدأ الغازات المسيلة للدموع تصير أكثف، حالات الإغماء تتزايد، الشباب يسحبون الحالات المصابة باتجاه حنين، يصير الطلق أكثر عنفاً، الضربات تصير مباشرة، الرصاص الانشطاري والمطاط (8). مع كل هجوم كان الشباب يتطافرون إلى داخل البيوت، ثم لا يلبثون أن يعودوا "لم يكونوا ينكسرون، لم يكونوا يكلون، كر وفر لا ينقطع"، يقول أحد الشهود.

من يسقط من الشباب يحمل في سيارة (بيك أب) وينقل إلى سيارة الإسعاف التي تقف في منطقة أبعد عن الشباب. رسمياً لا يسمح للإسعاف بالتجاوز إلى المناطق الخطرة، في هذه الأثناء كانت سيارات الإسعاف لا تسكت ذهاباً وإياباً.

الشباب الآن أكثر قرباً من رجال الأمن، الضرب صار أشد، وكذلك التساقط. المسعف يقول لحنين: دعينا نذهب، الوضع صار خطيراً جداً. حنين تجيبه: لكن الشباب يتساقطون. يجيبها: سيأتون بهم إلينا. يتجهان نحو الإسعاف الذي يقف بعيداً، في المسافة، تقف سيارة تقودها إحدى السيدات من نساء سترة، تقول لهم: اركبا سريعاً. يصعدان السيارة. السيدة تسأل حنين: أنت طبيبة؟تجيبها بنعم. تخبرها عن جرحى في أحد البيوت، يحتاجون إلى معالجة ولا يستطيعون الخروج بسبب المحاصرة الأمنية، تسألها إن كان بإمكانها المساعدة. كانت حنين تحمل معها عدة الإسعافات الأولية، ينطلقون جميعاً إلى هناك.


لمس الموت..
الإصابة رصاص إنشطاري (شوزن) في الوجه. قامت حنين بتسكير الجروح. الشاب يريد أن ينهي علاجه بسرعة كي يخرج مرة أخرى. يريد أن يعود ويخرج مرة ثانية. سيارات الأمن تحاصر البيت من الخارج، الوقت عصراً. أهل البيت أغلقوا الباب والمصابيح، يجلس الجميع في صالة البيت في صمت مريع"كنا نسمع أنفاس بعضنا" تخبر حنين. أخرجت دفتراً صغيراً من حقيبتها وبدأت تكتب "شعرت أنها ربما تكون النهاية" كان شريط اليوم يمر على ذاكرتها، وصورة والدتها التي صرخت باسمها قبل أن تغادر، راحت تكتب عن البيت الذي تجلس فيه الآن مرتاعة، كتبت لأهلها، كأنها الوصية"الله إذا لم يكتب لي أن أعيش بعدها، على الأقل هناك ما يبقى ليخبر عن لحظاتي الأخيرة" تروي المقربة عن ما سمعته من حنين.

ساعة ونصف، كان الصمت والرعب هما سيدا المكان، في هذه الأثناء جاء اتصال هاتفي من مركز سترة الصحي، يُخبر أن قوات الأمن قد حاصرت المركز بالكامل وأن قوات مكافحة الشغب اقتحمت المركز، طلبت حنين أن يقوم أحد بإيصالها للمركز. السيدة تخبرها أنها ستأخذها بنفسها، لكن ترجوها الانتظار حتى يصير الوضع خارج المنزل أكثر أماناً. ينظر البعض عبر النافذة، لا سيارات أمن قريبة من البيت فيقررون الخروج.

في الطريق الآن، قليل من الضوء بقى قبل حلول الظلام، والشوارع فارغة من الناس والسيارات. ليست سوى السيارة التي تقودها السيدة التي وصفتها حنين بالحديدية "شعرت أن لها دقات قلب ثابتة، وأن أدرينالين الخوف لا يعرف طريقه إلى قلبها" سيدة ثلاثينية، تجوب الشوارع المهددة بالموت، فيما أبناؤها خرجوا قبلها يواجهونه.
طائرات الهوليكوبتر تحلق في أجواء المكان، السيارة تمر عبر (زرانيق ودواعيس) وممرات داخلية في المنطقة، المكان كله رائحة الغازات المسيلة للدموع. لم تكن المسافة بعيدة، لكنها كانت طويلة جداً ومتعثرة ومخيفة، في أحد الشوارع الفرعية، يتفاجؤون بسيارات أمن تسير متتابعة، كان عددها 12 سيارة، تأتي من الجهة المقابلة. الجميع جمد في مكانه فيما قامت السيدة التي تقود السيارة بلف السيارة على شكل الحرف U، وركنتها جانباً وأنزل الجميع من فورهم رؤوسهم تحاشياً للطلقات المباشرة. الغريب، أن سيارات الجيب مرت مسرعة دون توقف فيما يبدو أنها متجهة لمهمة مستعجلة. لم يصدق الجميع ما حدث، وأنهم نجوا، تنفسوا الصعداء، بهدوء قالت السيدة (الستراوية): الآن نستطيع مواصلة طريقنا.

من ينقذ الإسعاف؟
الشوارع كانت حالة من الفوضى العارمة، حاويات القمامة ملقاة في كل صوب، والأحجار متناثرة هنا وهناك. رن الهاتف، أجابت السيدة. التفتت نحو حنين تسألها: هناك جرحى في أحد البيوت؟ لم تتردد حنين.

قرعوا جرس الباب، فُتح لهم، الدماء كانت طريق حنين للداخل دون أن يقودها أحد. في الداخل كانت تنتظرها أربع حالات: كسر في الركبة، شوزن في الذراع، شوزن في الوجه بما فيها العين، شوزن في المؤخرة. الأول: أزالت حنين الشوزن من المناطق القريبة من العين والفم، وقامت بسد الجروح السطحية الباقية.

أما الأخير، فقد كان ينزف بكثرة، كان دمه هو المسال طوال البيت، تجنبت حنين نزع الشوزن من مؤخرته، لأن انتزاعه يعني المزيد من النزف، ورأت أن بقاء الشوزن مؤقتاً سيعمل بمثابة سد مؤقت للجرح حتى يتم نقله للمركز.

المسعف اتصل بآخر ليأتي لأخذ الحالات ونقلها، كان الظلام قد نزل. وصل الإسعاف، قال لنا: فلنخرج بسرعة، الهوليكوبتر تراقب، ركب 5 من الجرحى، و3 من الطاقم الطبي. الإسعاف اكتظ بالعدد لا مكان للوقوف أو الجلوس، وبينما حنين تقفل باب الإسعاف من الخلف، لمحت سيارة أمن قادمة، الإسعاف تحرك بسرعة مجنونة بحثاً عن مهرب. الهوليكوبتر تلاحقهم من السماء وسيارة الأمن من الخلف. الجميع في توتر ورعب، البعض كان يتشهد، البعض يقرأ آيات قرآن، حنين صارت تردد: وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً، الجميع قام يردد بصوت واحد. شعر الجميع أن ساعة الموت قد وصلت، وأن كل شيء قد شارف على الانتهاء.

دقائق مرت كأنها ساعات، أخذ السائق نفساً وقال: خلاص يبدو أننا ضيعناهم. تنفس الجميع، لكن قلوبهم لم تتوقف عن ضرب طبولها على صدورهم المرعوبة. ليست إلا دقائق، حتى يتفاجأ الجميع بسيارة أمن تأتي من الأمام، تلحقها أربع أخريات، تحاصر سيارة الإسعاف. أوقف السائق السيارة. أطفأ المصابيح، صمت مرعب، ثم قال: أنا آسف سامحوني.

من يُسعف المسعف؟
 
نزلت قوات مكافحة الشغب، فتحوا باب السائق. أنزلوا أولاً المسعف أمين الأسود (انظر مرآة البحرين: المسعف الذي كسر درع الجزيرة رقبته)(6). أنزلوه وضربوه بعنف دون توقف وبلا رحمة، "كنا نسمع صوت رفساتهم وأحذيتهم تخبط في جسده"يقول زملاؤه، طرقوا بأسلحتهم الباب الخلفي. قالت حنين للآخرين: سأنزل أنا، ربما لأني فتاة سيكون الوضع أخف. فتحت الباب، كانت ترتدي رداءها الأبيض. ما أن وضعت رجلها على الأرض حتى تلقت صفعة قوية على وجهها اختل توازنها على إثرها وسقطت على الأرض، لم تستوعب حنين صدمة الصفعة ولا حرارتها ولا قسوتها ولا سببها، صرخ فيها الضابط البحريني: أنزلي رأسك وازحفي على الأرض. زحفت حنين نحو الرصيف وأمرها بالبقاء فيه. فيما أنزل رجال الأمن الآخرين وربطوا أيديهم من الخلف برباط بلاستيكي حاد وتولوهم ركلاً ورفساً بالأحذية والأسلحة "يفركون أحذيتهم على وجوههم"يجتمع فوق الواحد من الشباب 6 من رجال الأمن يشبعونه ركلاً جماعياً من كل الجهات دون توقف ودون تمييز بين اليد والرجل والظهر والوجه والرأس، كل مناطق الجسد مشاعة ومباحة للركل والضرب من قبل رجال الأمن الباكستانيين.

ألقوا قنابل صوتية على عجلات سيارة الإسعاف، فجروها (7).عاد الضابط إلى حنين وسألها: انتو شنو تسوون هني؟ أجابت: نحن سيارات إسعاف ننقل الجرحى. صرخ: هل تسمين هؤلاء جرحى؟ رفعت كفها نحوه وقالت: "اليد التي عالجت هؤلاء اليوم، هي نفسها اللتي حملت بالأمس الجرحى  الباكستانيين المشتبكين مع الشباب، نحن مهمتنا علاج المصابين أياً كانوا" قال: أنا رجل، ولو لم أكن رجلا لكنت ضربتك، ثم هددها بالتعرض الجنسي لها، كرر تهديده عدداً من المرات.

التفت بعدها نحو الشباب، أمسكت حنين بطرف بنطاله: لا تضربوهم كفاية، صاحت. صرخ فيها: شيلي يدك، ذهب لرجاله وقال لهم: بس خلاص، ثم التفت نحو حنين وقال: أحضري مقصا، من فورها قامت حنين بقص الرابط البلاستيكي عن الشباب وزملائها المسعفين.

سقوط أمين
 
الجميع تمكن من القيام من مكانه، عدا أمين، لم يكن قادراً على الحركة ولا الكلام، عيناه تتحركان والدموع تخرج من الجانبين. لم تتمكن حنين من تمييز إصابته سريعاً. قالت له: إذا تسمعني أغمض عينيك، فعل أمين. قالت له: إذا تشعر بألم أغمضها مرتين، فعل أيضاً، المسعف الآخر قام بالبحث عن بيت قريب يدخلونه، يطرق الأبواب لكن الجميع خائف ولا يعرف من وراء الباب، أحدهم فتح، ودخل الجميع. كان أمين في حالة مخيفة، بقت حنين تحاكيه طوال الوقت خوفاً من أن يفقد وعيه: يجب أن تكون بخير، تقول له. يرن هاتفه، تطالعته حنين: إذا تريد أرد على هاتفك أغمض عينيك، يفعل، ترد على الهاتف، كانت زوجته قلقة عليه، تخبرتها أنه بخير وأنه مشغول مع الحالات في المركز.

بدأت أطراف أمين تصير باردة، حاول زملاؤه إحضار (السيلان) خوفاً من أن يصيبه هبوط في الضغط، خرج أحدهم ليحضر (السيلان) من سيارة الإسعاف. عاد سريعاً، ثمة قنّاص يقف عند سيارة الإسعاف قام بإطلاق النار، بعد ٤٥ دقيقة خرج بعض الشباب مرة ثانية وأحضروا الأدوات اللازمة من الإسعاف، أمين لم يقبل أن يوضع له (السيلان)، كان يشير بعينيه باتجاه مصاب آخر يتأوه، يعني أنه أحق بالعناية منه.

مغامرة العودة
3 ساعات يقضيها الطاقم الطبي في ذلك البيت، يتم الاتصال في السلمانية ليأتي إسعاف ينقلهم، لم يكن ممكناً دخول الإسعاف في سترة المحاصرة. بعد 20 دقيقة يحضر شباب سترة سيارتين كبيرتان (فان). السيارتان تجوبان الطرق بحذر مخيف، الدقائق طويلة ومرعبة، الأجساد متهالكة من شدة التعب والروع. كم كان يومك طويلاً يا سترة!!

أخيراً يتمكن الشباب من الوصول إلى شارع آمن، ومنه يتوجهون إلى السلمانية. وهناك كانت هستيريا أخرى، وتجمع حاشد آخر، وقصص أخرى. يتم نقل المسعف أمين والشباب المصابين على الفور. رولا الصفار تحتضن حنين. حنين لا تصدق أنها عادت، وأنها ما تزال على قيد الحياة. جسدها يئن بعد عنف يوم طويل، وطاقتها استهلكت فوق ما فيها، تنام في المستشفى. لكن هل سترتاح؟

في صباح 16 مارس، كان ينتظرها وجميع الطاقم الطبي حدث آخر، في مسلسل لا ينتهي من الروع.. في الحلقة القادمة..

  • هامش
  1. الشهيد أحمد فرحان لحظة وصوله السلمانية  
  2. حنين البوسطة الثالثة عالمياً بين علماء الشباب 
  3. مصاب بالشوزن 15 مارس 
  4. مدخل مركز سترة الصحي 15 مارس
  5. مصابين من أحداث سترة 15 مارس
  6. أمين الأسود: المسعف الذي كسر درع الجزيرة رقبته 
  7. مسعف يروي ما حدث لهم أثناء قيامهم بعملهم 
  8. إطلاق النار على أعزل في سترة بتاريخ 15 مارس 
  9. الطبيبة حنين تروي لـ «الوسط» بعض تفاصيل ما حدث في «سترة»: صفعوني على وجهي وزحفت على الأرض 




 الحلقة السابعة : تدشين مرحلة (التطهير)



مرآة البحرين (خاص): في الحلقة السابقة، تناولنا انتهاكات عايشها أفراد من الكادر الطبي في أول يوم من إقرار قانون الطوارئ (15 مارس/آذار 2011)، استهلته قوات درع الجزيرة بقصف منطقة سترة، أسفر عنه سقوط قتيل من المحتجين، وبنغالي الأصل حاول حماية نساء سترة، وأكثر من 250 مصاباً، بينهم 65 حالة حرجة. 

"لم أر في حياتي من يستبسل أمام القمع الوحشي كما رأيت في يوم سترة، هناك كان الخوف خلفي والشجاعة أمامي، لا فرقبين النساء والرجال"، يقول أحد أفراد الطاقم الطبي. 

هذا اليوم، كان له حصيلة أخرى من ردود الفعل، جملة من الاستقالات من المناصب الرسمية في الدولة، احتجاجاً على التعاطي الأمني العنيف. بدأتها عضو مجلس الشورى ندى حفاظ، صرحت لصحيفة الوسط أن سبب استقالتها "هو ما يجري من ضرب للشعب، ومن سوء المعالجة للأمور منذ البداية إلى الآن ولو كانت الحكومة استقالت منذ البداية لتنفس الشعب وبدأنا طريقاً صحيحاً»، وتساءلت «لماذا يصل الجيش من خارج البحرين؟، هل يحمينا من شعبنا؟»، وتعجبت «مَنْ هؤلاء الملثمون الذين يجولون في البحرين ولديهم سيوف وأسلحة بيضاء؟»، واستنكرت «لماذا الضرب في سترة؟ ومن الذي يطلق النار في سار وغيرها من المناطق، وهذا من سوءالتخطيط والمعالجة وأنا لا أقبل بذلك أبداً» (1)

التطهير..
 
يمكنناأن نقول إنه منذ إقرار قانون السلامة الوطنية ودخول قوات درع الجزيرة عبر جسر الملك فهد رافعين علامات النصر، دخلت البحرين مرحلة جديدة: إنها مرحلة التطهير، وما حدث في سترة، كان جزءا من هذا المشروع. التطهير الذي أعلنته القيادة العامة لقوة دفاع البحرين في بيانها في يوم 16 مارس: "تعلن القيادةالعامة لقوة دفاع البحرين إنه صباح هذا اليوم الاربعاء الموافق 16 مارس 2011م بدأت قوات من الأمن العام والحرس الوطني وبمساندة من قوة دفاع البحرين بعملية (تطهير) دوار مجلس التعاون والمرفأ المالي ومستشفى السلمانية وما حولهم وإخلائهم من الخارجين عن القانون الذين روعوا المواطنين والمقيمين وأرهبوهم وأساءوا للاقتصاد الوطني وقد تم تنفيذ العملية حسب الخطة الموضوعة لها بكفاءة واحتراف مع مراعاة السلامة للجميع". هذه الأخيرة، لم تعرفها البحرين منذ ذلك التاريخ (مراعاة السلامة للجميع).

 
التطهير مصطلح يستخدمه الطب كما تستخدمه السياسة. في الطب هو إجراء وقائي يستخدمه الأطباء من أجل حماية حياة الإنسان، لكن في السياسة هو إبادة الإنسان واضطهاده من خلال السجن أو القتل أو التهجير. الأطباء خلال الأحداث كانوا يقومون بتطهير المناطق التي تستلزم عمليات جراحية لحماية المصابين، لكن السلطات البحرينية التي أعلنت قيامها بعملية الـ(تطهير)، كانت تستحضر نموذجاً  قريباً من التطهير العرقي الذي جرى استخدامه منذ مذابح يوغسلافيا السابقة عام 1990 ومذابح راواندا. 

إنه التطهير من أجل التخلص، التخلص من نصف الشعب الذي أزعج السلطة بسقف مطالب تجاوزت خطوطها الحمراء. هكذا بدأ التخلص من كل من احتج، كل من رفع شعارا، من طالب، من هتف، من تعاطف، من ذهب إلى الدوار، من شارك في مسيرة، من صرّح، من نشر، من فضح، من تعاون مع  الإعلام، وبطبيعة الحال، كل من عالج المصابين خلال الأحداث. الأطباء كانوا جزءاً من هذا الوجود الذي صار مزعجاً للسلطة ومهدداً لصورتهاالزائفة في الخارج. لهذا كان (تطهير) مستشفى السلمانية من الأطباء والكادرالطبي، هو الحدث الملازم لـ(تطهير) الدوار من المحتجين.

ورغم تجريماستخدام كلمة تطهير عالمياً باعتبارها فعل جريمة، ورغم حساسية استخدامها في الثقافة الدينية باعتبارها تقابل النجاسة، فإن النظام لم يتورع من استخدام هذه الكلمة في بيان داخليته، ولم يخجل دولياً، لا إنسانياً، من تكرارها في صحافته وإعلامه.


تطهير مدنّس
منذ ساعات الفجر الأولى لصباح يوم الأربعاء (16 مارس/ آذار2011)، كان الدوار يستعد للهجوم المرتقب (2).عند الساعة السادسة، انقطعت وسائل الاتصال فجأة، "حاولنا الاتصال بالشباب في الدوار لنطمئن على الوضع، لكن الاتصال مقطوع" تم الهجوم، قوات الجيش والأمن والحرس الوطني تحاصر الدوار، طائرات الأباتشي الحربية تحوم حول الدوار وتقوم بإطلاق الرصاص الحي (3)، طائرات عمودية تحلق في كل مكان، أرتال من الجيش في الشوارع لمواجهة المحتجين العزل (4)، الشوارع المحيطة بالدوار مغلقة بالكامل بآليات الجيش والدبابات والمدرعات، القناصة ينتشرون في أعلى البنايات (5)،"حاولنا الوصول إلى الدوار، كانت الشوارع المحيطة بالدوار مغلقة بالكامل، ذهبنا من جهة النعيم، فشاهدنا رجال الأمن والجيش يتكدسون فوق مركز شرطة النعيم، ويوجهون بنادقهم لضرب من يمر باتجاه الدوار، كان المشهد مرعباً، عدنا" يقول أحد الشباب.

في الدوار، فرّ البعض باتجاه البيوت القريبة، لكن عدداً آخر بقي صامداً لأطول مدة ممكنة قبل نجاح قوات الأمن والجيش في السيطرة على الدوار بعد تكثيف الهجوم. مواجهات طويلة عاشها الشباب الأعزل قبال آلات الجيش، فيديو يُظهر عدد من الشباب العزل يخاطبون الأمن مستنكرين: لا سلاح لدينا، لتهاجموننا بالدبابات؟ (6).لم يكن الانسحاب بالسهولة التي صورها بيان وزارة الدفاع، الشباب الذين كانوا قد أغلقوا الجسر لمنع قوات الجيش من الوصول إليهم، تعلقوا فوقه وصاروا يقرعون على الحديد احتجاجاً، قبل أن يداهمهم رجال الأمن راجلين من أسفل الجسر، ويلقوا عليهم الغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والانشطاري (7). ملاحقات انتهت بسقوط عدد كبير من المصابين الذين منعت عنهم سيارات الإسعاف (8)،ومنع عنهم مستشفى السلمانية المحاصر من قبل رجال الأمن وآليات الجيش. تم أخذ المصابين في سيارات خاصة إلى مركز النعيم القريب من الدوار، والمستشفى الدولي(9)، ومستشفى ابن النفيس التي فتحت أبوابها لتلقى الإصابات.

في هذا اليوم  سقط جعفر محمد عبد علي سلمان (41 سنة) من كرانة، وأحمد عبدالله حسن (23 سنة) من مدينة حمد، سجلت وفاتاهما في المستشفى الدولي (10)،في حين سجلت وفاة الضحية الثالثة جعفر عبدالله معيوف (30 سنة) في مستشفى ابن النفيس. كما قتلت رصاصة حية آسيويا (48 سنة) يعمل حارسا في إحدى الشركات في قرية الحجر، وكانت طائرة تحلق بالقرب من المنطقة، ظل ينزف على إثرها ساعة ونصف من دون إسعاف حتى فارق الحياة. جمعية الوفاق أعلنت عن اختفاء 30 شخصاً لم يعرف عنهم شيئا.

"العسكر الذي لم يعرف ساحة حرب حقيقية من قبل، كانت هذه  تجربته الأولى ليختبر مهاراته في الهجوم والاحتلال والتدمير والقتل والبطش والفتك، لهذا لم يبقَ شيء يخص الحرب إلا وأحضره بنية الاستخدام في ذلك اليوم، وكانت ساحته كل من منطقة سترة والدوارومستشفى السلمانية" يقول أحد المراقبين.

لقد نفّذ الجيش أمر التطهير، فدخل في حرب غير مقدسة، طرف في كامل عتاده يقابل طرفا في كامل عزله، استبسلالعسكر في معركته التي سيحمل خزيها طيلة تاريخه، إنها الحرب المدنّسة.


موالون غائبون
عند مستشفى السلمانية، كانت آليات الجيش بدأت محاصرتها لمداخل مجمع السلمانية الطبي، قبل أن تتم محاصرته بالكامل، وقبل أن يتم منع الدخول والخروج، بما فيها سيارات الإسعاف. "وصلت السلمانية لدوامي المعتاد، كانت الساعة السادسةوالربع صباحاً، تفاجأت بالمستشفى محاصرة بآليات الجيش، منعوني من الدخول"،تقول إحدى الطبيبات. منذ الصباح الباكر بدأت أخبار ضرب الدوار تصل. أصوات الطائرات العمودية تحلق في الأجواء. الكادر الطبي محاصر وممنوع من الخروج، ينتظر أن تأتي إصابات لمعالجتها، خاصة مع توارد الأنباء عن سقوط أعداد من المصابين، لكنّ لا شيء يصل.

عدد كبير من الأطباء والكادر الطبي، قضوا ليلتهم نائمين في المستشفى تحسباً لأي طارئ. "كان كل شيء يشير إلى أنهفي هذا اليوم سيتم الهجوم على الدوار". لكن عدداً آخر من الأطباء، كانوا قد توقفوا عن الحضور للمستشفى قبل محاصرة المستشفى بيومين. الطبيب عيسى الشروقي منسق برامج التدريب بوزارة الصحة، أرسل عدداً من أطباء الموالاة، إلى المستشفى العسكري، وهو المستشفى الذي سينقل إليه المصابون فيما بعد، كذلك إلى مستشفى الملك حمد الجديد، الذي لم يكن جاهزاً حينها، لكن تمّ فتح وتجهيز قسم الطوارئ فيه قبل يومين فقط من الهجوم على الدوار ومحاصرة السلمانية، ما يكشف التخطيط لنقل المصابين إلى هناك دون مستشفى السلمانية. نُشر في الصحف الرسمية "تم تجهيز قسم الطوائ في مستشفى الملك حمد الجامعي بمساعدة الخدمات الطبية لقوه دفاع البحرين التي قامت بتزويدنا بالأدوات والأجهزة والمعدات الطبية بالإضافة الى خمس سيارات إسعاف، كما تم استخدام الأطباء والممرضات وتجهيز غرفة للعمليات في وقت قياسي".(11

كانذلك تمهيداً للهجوم الوحشي الذي أُعد له هذه المرة، بحيث يقع وسط سيطرة كاملة على الكادر الطبي ومستشفى السلمانية، بعد أن كانت في 17 فبراير، قناةلفضح حقيقة النظام المتغني بالديمقراطية والحضارية. وبهذا ضُمن أن يكون الجرحى في قبضة العسكر، والأطباء في عجز العلاج، والأهم من ذلك، ضمان منع الفضح.

عدد آخر من الكادر الطبي الموالي، تغيب بإجازة مرضية خلال هذه الأيام تحديداً. باختصار، خلا المستشفى في اليومين الأخيرين من الأطباءالموالين بشكل عام، ما عدا الإداريين. وبهذا أيضاً، تم تأمين غياب من يرادحمايتهم، مقابل من يراد التنكيل بهم.  

قبل يومين أيضاً، جاء قرار من وزارة  الصحة بنصب خيمة طبية في باحة الطوارئ، نصبت خيمة كبيرة معدة بالأجهزة والأدوات، تم الانتهاء من تجهيزها ليلة الهجوم على الدوار. 

 
بعدأن أحكم الجيش محاصرته لمجمع السلماني بالكامل، بدأت قوات  الجيش وقوات الأمن بالدخول إلى باحة طوارئ السلمانية. أعداد كبيرة من الملثمين والمقنعين انتشرت في كل مكان، ترافقهم أعداد كبيرة من الكلاب البوليسية، يحمل بعضهم كاميرات تلفزيونية، تتبعهم عدد من سيارات اسعاف المستشفى العسكري، كان دخول سيارات الاسعاف الخاصة بالمستشفى العسكري محل استغراب الكادر الطبي، سيتبين فيما بعد شيء من وظيفتها، "رأينا آسيويين يخرجون من سيارات الإسعاف، كان واضحا أن مهمتهم التصوير كرهائن تم إخراجهم من المستشفى" تقول طبيبة.

فوق المستشفى راحت الطائرة العمودية تحلق من ارتفاع منخفض، "كان قناص يوجه سلاحه نحونا من الطائرة" تشهد طبيبة. تضيف "كنت واقفة وعدد من الكادر الطبي عند مدخل الطوارئ حين قامت طائرة عمودية تحوم فوق رؤوسنا على ارتفاع منخفض، بإلقاء قنبلة صوتية ناحيتنا" الكادر الطبي من فوره لاذ بمبنى المستشفى مرعوباً.

قبضة العسكر
مننوافذ الطوابق العليا في المستشفى، اصطف الكادر الطبي يشاهد بوجوم، ما يحدث في باحة الطوارئ وموقف السيارات. من فورهم بدأ رجال الأمن والجيش بالهجوم على الخيم التي كان قد تم نصبها من قبل المحتجين. كذلك الخيمة الطبية التي تم تجهيزها بالأدوات والمعدات الطبية قبل ساعات فقط، تم تحطيمها بالكامل بكل ما فيها من معدات وأجهزة. لم تسلم حتى الأجهزة الطبية التي هي ملك عام للدولة من التحطيم. "لم أرَ في حياتي جنوداً يقاتلون خيام وأجهرة طبية إلا جنود جيش البحرين والسعودية" تقول طبيبة. الكادر الطبي يحملون هواتفهم النقالة، يصورون ما يحدث، يلمحهم رجال الأمن من الأسفل، يوجهون أسلحتهم نحو زجاج الطوابق العليا، التهديد يصل، يتوقف التصوير.

مجموعةأخرى من قوات الجيش والشغب، اتجهت لموقف السيارات في باحة الطوارئ، وقامت من فورها بتكسير بعض السيارات  "رأيناهم يضعون أشياء بداخلها، لا نعرف ما هي، ثم يقومون بالتصوير من خلال كاميرات تلفزيونية الحجم، ثم رأيناهم يكسرون باب جامعة الخليج المقابل لموقف السيارة، ويُدخلون أشياء لم نميزها،صوروها أيضاً " تقول إحدى الطبيبات.

في الوقت نفسه أيضاً، كان عدد من العسكريين دخلوا من جهة الطوارئ إلى إدارة المستشفى، سيطروا على الإدارة، وأعلنوا الإدارة العسكرية بقيادة الدكتور فتيحه (من أصول مصرية) الذي سيقود التحقيقات مع الأطباء فيما بعد. وكان من بين الموجودين في مبنى الإدارة الوكيلة مريم الجلاهمة والوكيل أمين الساعاتي وبعض الإداريين من ضمنهم أحمد العم، الذي يرجح كونه على علاقة وطيدة بالأمن والجيش ورجال المخابرات. 

"كأن كل شيء انتهى في لحظة، وكأن الموت هو ما سيأتي، وبعده الظلام المطبق، كان هذا هو شعوري حينها" يقول طبيب "كنا ننتظر هجوما علينا بعد الانتهاء من تحطيم كل شيء في الباحة في الأسفل، كنت أسأل نفسي، هل انتهى كل شيء؟ هل جاء دورنا الآن؟" تقول طبيبة. لا أحد يسأل الآخر، لا أحد يجيب. 

الإرسال في المستشفى متقطع وضعيف، لكنهم يستقبلون الأخبار أولاً بأول. يسمعون عن الإصابات والحالات في كل من الدوار ومنطقة سترة التي بقيت حتى اليوم الثاني تعيش قمعاً بربرياً متواصلاً. الناس لا تعرف إلى أين تأخذ المصابين، يتجهون إلى المراكز وبعض المستشفيات الخاصة التي فتحت أبوابها لاستقبال الحالات مثل المستشفى الدولي ومستشفى ابن النفيس والمستشفى الأمريكي. يعلم الكادر الطبي أن وجوده في مستشفى السلمانية الآن عديم الفائدة، وأنه محاصر عن إنقاذ حياة أحد الآن، وأن بقاءه داخل المستشفى لا فائدة منه، لكن ما العمل؟


تطهير شمولي
الوزير نزار البحارنة يصل مستشفى السلمانية سريعاً، الممرضات في حالة هستيرية. يحاول التخفيف والطمأنة وأنه لن يسمح بتعرضهم للأذى. يتوجه ناحية العسكر، يتحدث معهم بلباقته المعروفه، يحاول منع دخولهم المستشفى التي لها حرمتها وخصوصيتها، وبها ما بها من حالات، لكن العسكر لا يفهم صوت اللباقة ولا صوت الإنسان ولا تحرك مشاعره خصوصية المكان، العسكر لا يفهم سوى أمر سيده الواجب التنفيذ: التطهير. يقول شهود "رأيناه عند قسم الطوارئ يطلب من رجال الجيش والأمن عدم الدخول الى المستشفى، كان يتحدث إلى عسكري ذي رتبة عالية اسمه محمد المطاوعة، سمعناه يقول للوزير: إنت ما تهمني من تكون".

"كانمنظر التخريب مهولاً في مواقف السيارات المقابل للطوارئ، لم نكن نصدق أن ما نراه حقيقة، وأن ما نحن فيه ليس حلما". الجيش المحاصر لسور المجمع الطبيفي الخارج، كان يقوم بمهمة أخرى غيّر حراسة مداخل مجمع السلمانية ومنع الخروج والدخول، كانت لديه مهمة تطهير أخرى، تحطيم جميع السيارات الواقفة على امتداد محيط مجمع السلمانية الطبي، "في اليوم الذي خرجت فيه من المجمع شاهدت مقبرة من السيارات المهشمة في كل مكان، كنت أحاول أن أجد سيارة واحدةسليمة، لكني لم أجد"، تقول طبيبة. مئات السيارات تم تحطيمها بالكامل قبل أن يتم سحبها بعد أيام، وإجبار أصحابها على التوقيع عن تنازل عنها. الأمر ذاته حدث مع السيارات الموجودة في محيط الدوار بالكامل، إنه جزء مما أسماه بيان الداخلية بـتطهير الدوار والمستشفى و(إخلائهم من الخارجين عن القانون)، فالسيارات التي ساعدت المحتجين في الوصول أيضاً خرجت عن القانون وتستحق التخلص منها، كما دوار اللؤلؤة الذي خرج عن القانون لأنه سمح للمحتجين الاعتصام فيه، فكان تطهير مكانه، إزالته سريعاً، بعد يومين من الهجوم (الجمعة 18 مارس/اذار 2011 ). 

استقالة الوزير
عددمن الكوادر الطبية، طلب من الوزير تأمين الحماية والسماح لهم بالخروج في سيارات الإسعاف من أجل إسعاف المصابين في منطقة سترة، حيث الدوار كان قد تمإخلاؤه ساعتها، فيما ما تزال سترة مشتعلة برصاص الجيش. البحارنة قام بالتنسيق مع الإدارة العسكرية، وبناءً عليه، أعطى الوزير الضمانة للكادر الطبي بعدم التعرض للأذى، وسمح لهم بالخروج من البوابة الخلفية المقابلة لبناية سناء. تجهّزت سيارات الإسعاف، تُركت لتعبر البوابة الخلفية دون أن يتعرض لها أحد، كانت الكاميرات التلفزيونية الخاصة بالأمن تصور سيارات الإسعاف وهي تخرج بسلام، عُرضت في تلفزيون البحرين للتدليل أنه لم يتم منع الإسعاف من الخروج. لكن هل عبروا بسلام؟ "لقد سمحوا لهم بالخروج من البوابةليصور هذا المشهد تلفزيون البحرين الذي بثها من فوره، وليقولوا للعالم إنهم يسمحون للإسعافات بالخروج، لكن ما إن تجاوزا البوابة حتى هجموا عليهم"تقول طبيبة.

خرجت سيارات الإسعاف من البوابة المقابلة لمحلات سناء،وهو معرض تجاري كبير ومشهور، مقابل لإحدى بوابات مجمع السلمانية الطبي. هناك مباشرة تم إيقاف السيارات وإنزال الطاقم الطبي والتحقيق معه وسؤاله كلمن فيه عن مذهبهم، إنهالوا بالضرب على الطاقم الطبي في واحدة من السيارات بطريقة وحشية، بعد تعريضهم للشتم والسب والقذف، تسبب الاعتداء في كسر يد أحد أفراد الطاقم الطبي، ولم يلبث هذا الإسعاف أن عاد إلى المستشفى لتلقي العلاج بدلاً من الخروج لتقديم العلاج. "كنت مذهولة وأنا أشاهد آثار دوس أحذية رجل الأمن على كل جزء من أجزاء جسم الطبيب الشاب الذي خرج في سيارة الإسعاف، كان وجهه معفراً في التراب وعليه آثار دوس الأحذية وكذلك شعره وكامل ثيابه"، تقول إحدى الطبيبات. طاقم الإسعاف الذي تعرض للاعتداء كان منبينهم  الطبيب أحمد العمران. سيارة إسعاف أخرى تعرضت للاعتداء، كان بها كلمن مدير المستشفى وليد المانع الإداري الحالي، ورئيس الأسعاف سابقا محمد عبد الرحيم. 

سيارة إسعاف أخرى واصلت طريقها نحو منطقة سترة وسط وقفات تفتيشية في عدد كبير من نقاط التفتيش، لكن وعند وصولها سترة كان الأمن قد طوق المنطقة بالكامل، وتمكن من قتل الحياة في شوارعها بالكامل، القوات المسلحة أغلقت ببنادق نصف آلية، الشارعَ الرئيسي الواصل إلى منطقة سترة. أيضاً، إنه التطهير: "لم نجد سوى آثار الخراب في طريق استهلكها القصف" تقول إحدى أفراد الطاقم. 

عند البوابة رقم 1، شاهد الجميع  ثلاثة شبان، لم يتمكن أحد من معرفتهم، مربوطة أيديهم إلى الخلف، تتم الإساءة إليهم وضربهم وتعذيبهم دون أن يتمكن أحد، بما فيهم الوزير نفسه، منمساعدتهم أو عمل أي شيء. 
الوزير البحارنة شاهد على كل ما يحدث: ما تعرض له الكادر الطبي الذي خرج في حمايته وبإذن الوزارة وبتنسيق مع الإدارةالعسكرية الجديدة، وما يحدث في المستشفى من تخريب وترويع وهتك. الوزير البحارنة يدخل مبنى الإدارة، يقف أمام العسكر (بينهم عسكري من العائلة الحاكمة)، يعلن استقالته احتجاجاً على سقوط هيبة الوزارة، وهيبة الوزير، وهيبة المستشفى، وهيبة الإنسان، وهيبة الدولة، وهيبة كل شيء.

  •  الحلقة القادمة: كيف قضى الأطباء ساعاتهم خلال يومين من المحاصرة، وانتهاكات للطاقم الطبي في الأيام الأولى خلال فترة السلامة الوطنية.



0 التعليقات:

إرسال تعليق

كن مع الثورة

 
شبكة اللؤلؤة الإخبارية © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates